هُوَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ الْقُرَشِيُّ الْمُطَّلِبِيُّ الشَّافِعِيُّ الْحِجَازِيُّ الْمَكِّيُّ .
يَلْتَقِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَبْدِ مَنَافٍ .
وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُصَنَّفَاتِ فِي مَنَاقِبِ ، الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَحْوَالِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ. كَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ ، وَآخَرِينَ .
وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْبَيْهَقِيِّ .
وَخَلَائِقَ لَا يُحْصَوْنَ ، وَمِنْ أَحْسَنِهَا تَصْنِيفُ الْبَيْهَقِيّ ، وَهُوَ مُجَلَّدَتَانِ مُشْتَمِلَتَانِ عَلَى نَفَائِسَ مِنْ كُلِّ فَنٍّ .
وَقَدْ شَرَعْتُ أَنَا فِي جَمْعِ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ ، وَجَمَعْتُ مِنْ مُصَنَّفَاتِهِمْ فِي مَنَاقِبِهِ ، وَمِنْ كُتُبِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ، وَالْحَدِيثِ ، وَالتَّارِيخِ ، وَالْأَخْيَارِ ، وَالْفُقَهَاءِ ، وَالزُّهَّادِ ، وَغَيْرِهِمْ فِي مُصَنَّفٍ مُتَوَسِّطٍ بَيْنَ الِاخْتِصَارِ ، وَالتَّطْوِيلِ ، وَأَذْكُرُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ النَّفَائِسِ مَا لَا يَسْتَغْنِي طَالِبُ عِلْمٍ عَنْ مَعْرِفَتِهِ لَا سِيَّمَا الْمُحَدِّثُ ، وَالْفَقِيهُ ، وَلَا سِيَّمَا مُنْتَحِلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْجُو مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِهِ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ .
وَأَمَّا هَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا الْإِشَارَةَ إلَى بَعْضِ تِلْكَ الْمَقَاصِدِ ، وَالرَّمْزَ إلَى أَطْرَافٍ مِنْ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ ، وَالْمَعَاقِدِ .
فَأَقُولُ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ مُفَوِّضًا أَمْرِي إلَيْهِ :
الشَّافِعِيُّ قُرَيْشِيٌّ مُطَّلِبِيٌّ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ ، وَأُمُّهُ أَزْدِيَّةٌ .
وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي فَضَائِلِ قُرَيْشٍ ، وَانْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى تَفْضِيلِهِمْ عَلَى جَمِيعِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، وَغَيْرِهِمْ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{ الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ } .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
{ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ ، وَالشَّرِّ } .
وَفِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ أَحَادِيثُ فِي فَضَائِلِ الْأَزْدِ
مَوْلِدِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَوَفَاتِهِ
وَذِكْرِ نُبَذٍ مِنْ أُمُورِهِ ، وَحَالَاتِهِ .
وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقِيلَ إنَّهُ تُوُفِّيَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ ، وَلَمْ يَثْبُتْ التَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ .
ثُمَّ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وُلِدَ بِغَزَّةَ ، وَقِيلَ : بِعَسْقَلَانَ ، وَهُمَا مِنْ الْأَرَاضِي الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا ، فَإِنَّهُمَا عَلَى نَحْوِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ حُمِلَ إلَى مَكَّةَ ، وَهُوَ ابْنُ سَنَتَيْنِ ، وَتُوُفِّيَ بِمِصْرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ ، وَمِائَتَيْنِ ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ ، وَخَمْسِينَ سَنَةً .
قَالَ الرَّبِيعُ : تُوُفِّيَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، وَأَنَا عِنْدَهُ ، وَدُفِنَ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ ، وَقَبْرُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِصْرَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَلَالَةِ ، وَلَهُ مِنْ الِاحْتِرَامِ مَا هُوَ لَائِقٌ بِمَنْصِبِ ذَلِكَ الْإِمَامِ .
قَالَ الرَّبِيعُ : رَأَيْت فِي الْمَنَامِ أَنَّ آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ ، فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ : هَذَا مَوْتُ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ، فَمَا كَانَ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ الشَّافِعِيُّ ، وَرَأَى غَيْرُهُ لَيْلَةَ مَاتَ الشَّافِعِيُّ قَائِلًا يَقُولُ : اللَّيْلَةَ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَنَشَأَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أُمِّهِ فِي قِلَّةٍ مِنْ الْعَيْشِ ، وَضِيقِ حَالٍ ، وَكَانَ فِي صِبَاهُ يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ ، وَيَكْتُبُ مَا يَسْتَفِيدُهُ فِي الْعِظَامِ ، وَنَحْوِهَا ، حَتَّى مَلَأَ مِنْهَا خَبَايَا ، وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ.
قَالَ : كَانَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ يَطْلُبُ الشِّعْرَ ، وَأَيَّامَ الْعَرَبِ ، وَالْأَدَبَ ، ثُمَّ أَخَذَ فِي الْفِقْهِ بَعْدُ .
قَالَ : وَكَانَ سَبَبُ أَخْذِهِ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ كَانَ يَوْمًا يَسِيرُ عَلَى دَابَّةٍ لَهُ ، وَخَلْفَهُ كَاتِبٌ لِأَبِي ، فَتَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ فَقَرَعَهُ كَاتِبُ أَبِي بِسَوْطِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ : مِثْلُكَ يَذْهَبُ بِمُرُوءَتِهِ فِي مِثْلِ هَذَا ؟ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ الْفِقْهِ ؟ فَهَزَّهُ ذَلِكَ فَقَصَدَ مُجَالَسَةَ الزِّنْجِيِّ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ ، وَكَانَ مُفْتِي مَكَّةَ ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا فَلَزِمَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ .
وَعَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : كُنْتُ أَنْظُرُ فِي الشِّعْرِ فَارْتَقَيْتُ عَقَبَةً بِمِنًى ، فَإِذَا صَوْتٌ مِنْ خَلْفِي : عَلَيْكَ بِالْفِقْهِ .
وَعَنْ الْحُمَيْدِيِّ قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : خَرَجْت أَطْلُبُ النَّحْوَ ، وَالْأَدَبَ فَلَقِيَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ فَقَالَ : يَا فَتَى مِنْ أَيْنَ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ : أَيْنَ مَنْزِلُكَ ؟ قُلْتُ : شِعْبٌ بِالْخَيْفِ قَالَ : مِنْ أَيِّ قَبِيلَةٍ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ قَالَ : بَخٍ بَخٍ لَقَدْ شَرَّفَكَ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا ، وَالْآخِرَةِ ، أَلَا جَعَلْتَ فَهْمَكَ فِي هَذَا الْفِقْهِ فَكَانَ أَحْسَنَ بِك ؟
.
ثُمَّ رَحَلَ الشَّافِعِيُّ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ قَاصِدًا الْأَخْذَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَفِي رِحْلَتِهِ مُصَنِّفٌ مَشْهُورٌ مَسْمُوعٌ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَرَأَ عَلَيْهِ الْمُوَطَّأَ حِفْظًا ، فَأَعْجَبَتْهُ قِرَاءَتُهُ ، وَلَازَمَهُ ، وَقَالَ لَهُ مَالِكٌ : اتَّقِ اللَّهَ ، وَاجْتَنِبْ الْمَعَاصِيَ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَكَ شَأْنٌ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَلْقَى عَلَى قَلْبِكَ نُورًا فَلَا تُطْفِهِ بِالْمَعَاصِي .
وَكَانَ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حِينَ أَتَى مَالِكًا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ نَزَلَ بِالْيَمَنِ .
وَاشْتُهِرَ مِنْ حُسْنِ سِيرَتِهِ ، وَحَمْلِهِ النَّاسَ عَلَى السُّنَّةِ ، وَالطَّرَائِقِ الْجَمِيلَةِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ .
ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ ، وَأَخَذَ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْعُلُومِ ، وَرَحَلَ إلَى الْعِرَاقِ ، وَنَاظَرَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ ، وَغَيْرَهُ ، وَنَشَرَ عِلْمَ الْحَدِيثِ ، وَمَذْهَبَ أَهْلِهِ ، وَنَصَرَ السُّنَّةَ ، وَشَاعَ ذِكْرُهُ ، وَفَضْلُهُ ، وَطَلَبَ مِنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي عَصْرِهِ أَنْ يُصَنِّفَ كِتَابًا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَصَنَّفَ كِتَابَ الرِّسَالَةِ ، وَهُوَ أَوَّلُ كِتَابٍ صُنِّفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ يُعْجَبَانِ بِهِ ، وَكَانَ الْقَطَّانُ ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَدْعُوَانِ لِلشَّافِعِيِّ فِي صَلَاتِهِمَا .
يَلْتَقِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَبْدِ مَنَافٍ .
وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُصَنَّفَاتِ فِي مَنَاقِبِ ، الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَحْوَالِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ. كَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ ، وَآخَرِينَ .
وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْبَيْهَقِيِّ .
وَخَلَائِقَ لَا يُحْصَوْنَ ، وَمِنْ أَحْسَنِهَا تَصْنِيفُ الْبَيْهَقِيّ ، وَهُوَ مُجَلَّدَتَانِ مُشْتَمِلَتَانِ عَلَى نَفَائِسَ مِنْ كُلِّ فَنٍّ .
وَقَدْ شَرَعْتُ أَنَا فِي جَمْعِ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ ، وَجَمَعْتُ مِنْ مُصَنَّفَاتِهِمْ فِي مَنَاقِبِهِ ، وَمِنْ كُتُبِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ، وَالْحَدِيثِ ، وَالتَّارِيخِ ، وَالْأَخْيَارِ ، وَالْفُقَهَاءِ ، وَالزُّهَّادِ ، وَغَيْرِهِمْ فِي مُصَنَّفٍ مُتَوَسِّطٍ بَيْنَ الِاخْتِصَارِ ، وَالتَّطْوِيلِ ، وَأَذْكُرُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ النَّفَائِسِ مَا لَا يَسْتَغْنِي طَالِبُ عِلْمٍ عَنْ مَعْرِفَتِهِ لَا سِيَّمَا الْمُحَدِّثُ ، وَالْفَقِيهُ ، وَلَا سِيَّمَا مُنْتَحِلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْجُو مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِهِ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ .
وَأَمَّا هَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا الْإِشَارَةَ إلَى بَعْضِ تِلْكَ الْمَقَاصِدِ ، وَالرَّمْزَ إلَى أَطْرَافٍ مِنْ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ ، وَالْمَعَاقِدِ .
فَأَقُولُ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ مُفَوِّضًا أَمْرِي إلَيْهِ :
الشَّافِعِيُّ قُرَيْشِيٌّ مُطَّلِبِيٌّ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ ، وَأُمُّهُ أَزْدِيَّةٌ .
وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي فَضَائِلِ قُرَيْشٍ ، وَانْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى تَفْضِيلِهِمْ عَلَى جَمِيعِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، وَغَيْرِهِمْ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{ الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ } .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
{ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ ، وَالشَّرِّ } .
وَفِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ أَحَادِيثُ فِي فَضَائِلِ الْأَزْدِ
مَوْلِدِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَوَفَاتِهِ
وَذِكْرِ نُبَذٍ مِنْ أُمُورِهِ ، وَحَالَاتِهِ .
وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقِيلَ إنَّهُ تُوُفِّيَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ ، وَلَمْ يَثْبُتْ التَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ .
ثُمَّ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وُلِدَ بِغَزَّةَ ، وَقِيلَ : بِعَسْقَلَانَ ، وَهُمَا مِنْ الْأَرَاضِي الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا ، فَإِنَّهُمَا عَلَى نَحْوِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ حُمِلَ إلَى مَكَّةَ ، وَهُوَ ابْنُ سَنَتَيْنِ ، وَتُوُفِّيَ بِمِصْرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ ، وَمِائَتَيْنِ ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ ، وَخَمْسِينَ سَنَةً .
قَالَ الرَّبِيعُ : تُوُفِّيَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، وَأَنَا عِنْدَهُ ، وَدُفِنَ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ ، وَقَبْرُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِصْرَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَلَالَةِ ، وَلَهُ مِنْ الِاحْتِرَامِ مَا هُوَ لَائِقٌ بِمَنْصِبِ ذَلِكَ الْإِمَامِ .
قَالَ الرَّبِيعُ : رَأَيْت فِي الْمَنَامِ أَنَّ آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ ، فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ : هَذَا مَوْتُ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ، فَمَا كَانَ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ الشَّافِعِيُّ ، وَرَأَى غَيْرُهُ لَيْلَةَ مَاتَ الشَّافِعِيُّ قَائِلًا يَقُولُ : اللَّيْلَةَ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَنَشَأَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أُمِّهِ فِي قِلَّةٍ مِنْ الْعَيْشِ ، وَضِيقِ حَالٍ ، وَكَانَ فِي صِبَاهُ يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ ، وَيَكْتُبُ مَا يَسْتَفِيدُهُ فِي الْعِظَامِ ، وَنَحْوِهَا ، حَتَّى مَلَأَ مِنْهَا خَبَايَا ، وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ.
قَالَ : كَانَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ يَطْلُبُ الشِّعْرَ ، وَأَيَّامَ الْعَرَبِ ، وَالْأَدَبَ ، ثُمَّ أَخَذَ فِي الْفِقْهِ بَعْدُ .
قَالَ : وَكَانَ سَبَبُ أَخْذِهِ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ كَانَ يَوْمًا يَسِيرُ عَلَى دَابَّةٍ لَهُ ، وَخَلْفَهُ كَاتِبٌ لِأَبِي ، فَتَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ فَقَرَعَهُ كَاتِبُ أَبِي بِسَوْطِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ : مِثْلُكَ يَذْهَبُ بِمُرُوءَتِهِ فِي مِثْلِ هَذَا ؟ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ الْفِقْهِ ؟ فَهَزَّهُ ذَلِكَ فَقَصَدَ مُجَالَسَةَ الزِّنْجِيِّ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ ، وَكَانَ مُفْتِي مَكَّةَ ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا فَلَزِمَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ .
وَعَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : كُنْتُ أَنْظُرُ فِي الشِّعْرِ فَارْتَقَيْتُ عَقَبَةً بِمِنًى ، فَإِذَا صَوْتٌ مِنْ خَلْفِي : عَلَيْكَ بِالْفِقْهِ .
وَعَنْ الْحُمَيْدِيِّ قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : خَرَجْت أَطْلُبُ النَّحْوَ ، وَالْأَدَبَ فَلَقِيَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ فَقَالَ : يَا فَتَى مِنْ أَيْنَ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ : أَيْنَ مَنْزِلُكَ ؟ قُلْتُ : شِعْبٌ بِالْخَيْفِ قَالَ : مِنْ أَيِّ قَبِيلَةٍ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ قَالَ : بَخٍ بَخٍ لَقَدْ شَرَّفَكَ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا ، وَالْآخِرَةِ ، أَلَا جَعَلْتَ فَهْمَكَ فِي هَذَا الْفِقْهِ فَكَانَ أَحْسَنَ بِك ؟
.
ثُمَّ رَحَلَ الشَّافِعِيُّ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ قَاصِدًا الْأَخْذَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَفِي رِحْلَتِهِ مُصَنِّفٌ مَشْهُورٌ مَسْمُوعٌ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَرَأَ عَلَيْهِ الْمُوَطَّأَ حِفْظًا ، فَأَعْجَبَتْهُ قِرَاءَتُهُ ، وَلَازَمَهُ ، وَقَالَ لَهُ مَالِكٌ : اتَّقِ اللَّهَ ، وَاجْتَنِبْ الْمَعَاصِيَ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَكَ شَأْنٌ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَلْقَى عَلَى قَلْبِكَ نُورًا فَلَا تُطْفِهِ بِالْمَعَاصِي .
وَكَانَ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حِينَ أَتَى مَالِكًا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ نَزَلَ بِالْيَمَنِ .
وَاشْتُهِرَ مِنْ حُسْنِ سِيرَتِهِ ، وَحَمْلِهِ النَّاسَ عَلَى السُّنَّةِ ، وَالطَّرَائِقِ الْجَمِيلَةِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ .
ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ ، وَأَخَذَ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْعُلُومِ ، وَرَحَلَ إلَى الْعِرَاقِ ، وَنَاظَرَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ ، وَغَيْرَهُ ، وَنَشَرَ عِلْمَ الْحَدِيثِ ، وَمَذْهَبَ أَهْلِهِ ، وَنَصَرَ السُّنَّةَ ، وَشَاعَ ذِكْرُهُ ، وَفَضْلُهُ ، وَطَلَبَ مِنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي عَصْرِهِ أَنْ يُصَنِّفَ كِتَابًا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَصَنَّفَ كِتَابَ الرِّسَالَةِ ، وَهُوَ أَوَّلُ كِتَابٍ صُنِّفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ يُعْجَبَانِ بِهِ ، وَكَانَ الْقَطَّانُ ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَدْعُوَانِ لِلشَّافِعِيِّ فِي صَلَاتِهِمَا .