نكمل الحديث عن الشيخ بن باز رحمه الله
أولا:زهده وعفته
لعل من أبرز ما تميز به شيخنا - حفظه الله - الزهد في هذه الدنيا، مع توفر أسبابها، وحصول مقاصدها له، فقد انصرف عنها بالكلية، وقدم عليها دار البقاء، لأنه علم أنها دار الفناء، متأسيا بزهد السلف الصالح - رحمهم الله - الذين كانوا من أبعد الناس عن الدنيا ومباهجها وزينتها الفانية، مع قربها منهم، فالشيخ - حفظه الله - مثالا يحتذى به، وعلما يقتدى به، وقدوة تؤتسى في الزهد والورع وإنكار الذات، والهروب من المدائح والثناءات العاطرة، وكم من مرة سمعته في بعض محاضراته، حين يطنب بعض المقدمين في ذكر مناقبه وخصاله الحميدة، وخلاله الرشيدة، يقول: " لقد قصمت ظهر أخيك، وإياكم والتمادح فإنه الذبح، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون " بمثل هذه الكلمات النيرة، والتوجيهات الرشيدة نراه يكره المدح والثناء كرها شديدا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على زهد في القلب وعفة في الروح، وطهارة في الجوارح، وخشية للمولى جل وعلا.
وأما عفته وتعففه فهو بحر لا ساحل له، فهو عف اللسان، عفيف النفس طاهر الذيل بعيدا عن المحارم، مجانبا للمآثم، مقبلا على الطاعات، مدبرا عن السيئات ومواطن الزلل - نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا -.
ثانيا:صدقه:
أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون، أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
أنزل الله عليه الكتاب تبيانا لكل شيء، فبيّن صلى الله عليه وسلم أهدافه، وقيّد مطلقه، وخصص عامه، بعث صلوات الله وسلامه عليه ليتمم مكارم الأخلاق، فبيّن ذلك أتم بيان بقوله وفعله وتقريره، وإن من أعظم مكارم الأخلاق التي أمر الله بها وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم " الصدق " وهو مطابقة الخبر للواقع، وقيل هو استواء السر والعلانية، والظاهر والباطن، وبأن لا تكذَّب أحوال العبد أعماله، ولا أعماله أحواله.
ولقد بلغ الشيخ عبد العزيز - بيَّض الله وجهه - من الصدق مبلغا عظيما، وغاية سامية ومنزلة رفيعة، فتجد جميع الناس يثقون به وبعلمه، وبفتاواه التي يعرفون أن مصدرها كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويتقبلون نصحه لأنهم يعلمون أنه صادر من قلب صادق مبني على الرحمة والشفقة وحب الهداية للخلق والخير لهم، وهذا الأمر - أعني به الثقة المتناهية - إنما نتجت وحصلت له، من جهة معلومة هي صدقه مع خالقه ومولاه، ونزاهته وإخلاصه
ثالثا:قوة حافظته وحضور بديهيته:
ومما تميّز به سماحته - حفظه الله - قوة الحافظة، وسرعة البديهة، واستحضار مسائل العلم بفهم واسع، ووفرة في العلم، وشدة في الذكاء، وغزارة في المادة العلمية، فهو - رعاه الله - صاحب ألمعية نادرة، ونجابة ظاهرة.
وإن نعمة الحفظ، وقوة الذاكرة، هما من الأسباب القوية - بعد توفيق الله عز وجل - على تمكنه من طلبه للعلم، وازدياد ثروته العلمية، المبنية على محفوظاته التي وعتها ذاكرته في مراحل التعلم والتعليم، وقد حباه الله من الذكاء وقوة الحفظ وسرعة الفهم، مما مكنه من إدراك محفوظاته العلمية عن فهم وبصيرة.
ومما يؤكد على ذلك أنه لربما سُئِلَ عن أحاديث منتقدة في الكتب الستة وغيرها من كتب السنة فيجيب عليها مع تخريجها والتكلم على أسانيدها ورجالها، وذكر أقوال أهل العلم فيها، وهو ممَّن منَّ الله عليه بحفظ الصحيحين واستحضارهما، ولا يكاد يفوته من متونهما شيء؛ إلا اللهم أنه سُئِلَ مرة ونحن على طعام الغداء عنده، فقال السائل: هل تحفظ الصحيحين فأجاب قائلا - نعم ولله الحمد والمنة - إلا أن صحيح مسلم يحتاج إلى نظر وتربيط.
ومما يؤكد ويبرهن على قوة حافظته وحضور بديهته، أنه في كلماته ومحاضراته ومواعظه تجده كثير الاستدلال بالنصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، وأقوال أهل العلم الشرعية، يأتي عليها بسياقها ولفظها وتمامها، وهكذا في اجتماعات هيئة كبار العلماء، تجده يذكر المسألة وأقوال أهل العلم فيها مبينا الجزء والصفحة والكتاب المنقول عنه القول.
وثم أمر آخر يؤكد على قوة حافظته أنه يميز بين أصوات محبيه الذين يقدمون للسلام عليه، مع كثرتهم ووفور عددهم، وقد حدَّثني بعض من عاصر الشيخ قديما وحديثا أنني قدمت للسلام عليه بعد مدة من الزمن طويلة، فبادرته بالسلام، فعرفني من أول وهلة، ورد عليَّ السلام مناديا باسمي، وهذا دأبه في أغلب من يقدمون عليه للسلام.
وأيضا مما يؤكد على قوة ذاكرته أنك تجده يورد القصص القديمة التي حصلت قبل ستين سنة أو أكثر كأنه مطلع عليها، ينظر إليها ويتأمل في أمرها، وهذا أمر معلوم عند من خالط الشيخ وعرفه تمام المعرفة.
حياته العلمية والعملية
أولا:الشيخ في العمل الرسمي في المكتب:
بعد أن يأتي سماحة الشيخ من درس الفجر في المسجد يدخل منزله ، ويرتاح قليلاً ، ويتناول الإفطار ، ثم يمضي إلى عمله في المكتب في الرئاسة ، وإن لم يكن عنده درس في المسجد فإنه يأتي بعد الفجر لمكتب البيت ، ويستمر مدة ساعتين أو أكثر تعرض عليه المعاملات ، وتقرأ عليه الكتب ، والبحوث ، والمقالات ، ثم يدخل منزله ويرتاح قليلاً ، ثم يتناول الإفطار ، ويمضي إلى عمله في المكتب بعد أن يؤدي صلاة الضحى.
وفي الطريق من المنزل إلى العمل يقرأ عليه منذ خروجه من المنزل حتى يصل.
وإذا ترجَّل من السيارة عند وصوله مقر العمل استقبله الناس على اختلاف طبقاتهم وحاجاتهم ، وفي طريقه من السيارة إلى مكتبه في رئاسه الإفتاء أو اللجنة يقضي حاجات كثيرة ، ويجيب عن أسئلة عديدة في تلك الخطوات القليلة المعدودة.
وسماحة الشيخ يذهب إلى مكتبه ، في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، يوم الأحد قبل الظهر ، ويوم الثلاثاء قبل الظهر.
وإذا كان في اللجنة استمع إلى الفتاوى المعدة من قبل اللجنة ، وبعد ذلك يتم تداول الرأي فيها مع أعضاء اللجنة قبل صدورها.
وبعد الظهر من يوم السبت يذهب سماحته - أيضاً - إلى اللجنة الدائمة لقراءة الفتاوى الصادرة من اللجنة لإقرارها ثم طبعها تحت إشراف صاحب الفضيلة الشيخ أحمد بن عبدالرزاق الدويش.
أما ماعدا هذه الأوقات فيمضي وقته في مكتبه في الرئاسة ، وهناك تعرض عليه أنواع المعاملات من مقالات ، وأقوال صحف ، وبحوث ، وشفاعات ، ونحوها.
وهناك يستقبل طلبات الناس ، ويجيب عن أسئلتهم.
وهناك يرد على الهاتف ، ويمنع من طرح سماعته.
وهناك يستقبل الزائرين ، والمسلِّمين.
وهناك يعرض عليه الموظفون المعاملات الخاصة من مكاتبهم عبر الهاتف ، أو يأتون إليه بها.
وهناك تعرض عليه أنواع المعاملات المتعلقة بالشؤون الإدارية للرئاسة ، والمكاتبات الرسمية الواردة إلى سماحته من الجهات الحكومية ، وكثير مما يتعلق بشؤون الدعوة إلى الله في الداخل والخارج ، وقضايا الحسبة ، والطلبات الشخصية من مشارق الأرض ومغاربها ، ومن جموع المسلمين الذين يتوافدون إلى مكتبه؛ التماساً لمساعدته لهم ، وتعرض عليه الاستفتاءات ، ولا سيما قضايا الطلاق ، والرضاع التي ينظر فيها سماحته بنفسه.
رحم الله الشيخ
أولا:زهده وعفته
لعل من أبرز ما تميز به شيخنا - حفظه الله - الزهد في هذه الدنيا، مع توفر أسبابها، وحصول مقاصدها له، فقد انصرف عنها بالكلية، وقدم عليها دار البقاء، لأنه علم أنها دار الفناء، متأسيا بزهد السلف الصالح - رحمهم الله - الذين كانوا من أبعد الناس عن الدنيا ومباهجها وزينتها الفانية، مع قربها منهم، فالشيخ - حفظه الله - مثالا يحتذى به، وعلما يقتدى به، وقدوة تؤتسى في الزهد والورع وإنكار الذات، والهروب من المدائح والثناءات العاطرة، وكم من مرة سمعته في بعض محاضراته، حين يطنب بعض المقدمين في ذكر مناقبه وخصاله الحميدة، وخلاله الرشيدة، يقول: " لقد قصمت ظهر أخيك، وإياكم والتمادح فإنه الذبح، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون " بمثل هذه الكلمات النيرة، والتوجيهات الرشيدة نراه يكره المدح والثناء كرها شديدا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على زهد في القلب وعفة في الروح، وطهارة في الجوارح، وخشية للمولى جل وعلا.
وأما عفته وتعففه فهو بحر لا ساحل له، فهو عف اللسان، عفيف النفس طاهر الذيل بعيدا عن المحارم، مجانبا للمآثم، مقبلا على الطاعات، مدبرا عن السيئات ومواطن الزلل - نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا -.
ثانيا:صدقه:
أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون، أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
أنزل الله عليه الكتاب تبيانا لكل شيء، فبيّن صلى الله عليه وسلم أهدافه، وقيّد مطلقه، وخصص عامه، بعث صلوات الله وسلامه عليه ليتمم مكارم الأخلاق، فبيّن ذلك أتم بيان بقوله وفعله وتقريره، وإن من أعظم مكارم الأخلاق التي أمر الله بها وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم " الصدق " وهو مطابقة الخبر للواقع، وقيل هو استواء السر والعلانية، والظاهر والباطن، وبأن لا تكذَّب أحوال العبد أعماله، ولا أعماله أحواله.
ولقد بلغ الشيخ عبد العزيز - بيَّض الله وجهه - من الصدق مبلغا عظيما، وغاية سامية ومنزلة رفيعة، فتجد جميع الناس يثقون به وبعلمه، وبفتاواه التي يعرفون أن مصدرها كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويتقبلون نصحه لأنهم يعلمون أنه صادر من قلب صادق مبني على الرحمة والشفقة وحب الهداية للخلق والخير لهم، وهذا الأمر - أعني به الثقة المتناهية - إنما نتجت وحصلت له، من جهة معلومة هي صدقه مع خالقه ومولاه، ونزاهته وإخلاصه
ثالثا:قوة حافظته وحضور بديهيته:
ومما تميّز به سماحته - حفظه الله - قوة الحافظة، وسرعة البديهة، واستحضار مسائل العلم بفهم واسع، ووفرة في العلم، وشدة في الذكاء، وغزارة في المادة العلمية، فهو - رعاه الله - صاحب ألمعية نادرة، ونجابة ظاهرة.
وإن نعمة الحفظ، وقوة الذاكرة، هما من الأسباب القوية - بعد توفيق الله عز وجل - على تمكنه من طلبه للعلم، وازدياد ثروته العلمية، المبنية على محفوظاته التي وعتها ذاكرته في مراحل التعلم والتعليم، وقد حباه الله من الذكاء وقوة الحفظ وسرعة الفهم، مما مكنه من إدراك محفوظاته العلمية عن فهم وبصيرة.
ومما يؤكد على ذلك أنه لربما سُئِلَ عن أحاديث منتقدة في الكتب الستة وغيرها من كتب السنة فيجيب عليها مع تخريجها والتكلم على أسانيدها ورجالها، وذكر أقوال أهل العلم فيها، وهو ممَّن منَّ الله عليه بحفظ الصحيحين واستحضارهما، ولا يكاد يفوته من متونهما شيء؛ إلا اللهم أنه سُئِلَ مرة ونحن على طعام الغداء عنده، فقال السائل: هل تحفظ الصحيحين فأجاب قائلا - نعم ولله الحمد والمنة - إلا أن صحيح مسلم يحتاج إلى نظر وتربيط.
ومما يؤكد ويبرهن على قوة حافظته وحضور بديهته، أنه في كلماته ومحاضراته ومواعظه تجده كثير الاستدلال بالنصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، وأقوال أهل العلم الشرعية، يأتي عليها بسياقها ولفظها وتمامها، وهكذا في اجتماعات هيئة كبار العلماء، تجده يذكر المسألة وأقوال أهل العلم فيها مبينا الجزء والصفحة والكتاب المنقول عنه القول.
وثم أمر آخر يؤكد على قوة حافظته أنه يميز بين أصوات محبيه الذين يقدمون للسلام عليه، مع كثرتهم ووفور عددهم، وقد حدَّثني بعض من عاصر الشيخ قديما وحديثا أنني قدمت للسلام عليه بعد مدة من الزمن طويلة، فبادرته بالسلام، فعرفني من أول وهلة، ورد عليَّ السلام مناديا باسمي، وهذا دأبه في أغلب من يقدمون عليه للسلام.
وأيضا مما يؤكد على قوة ذاكرته أنك تجده يورد القصص القديمة التي حصلت قبل ستين سنة أو أكثر كأنه مطلع عليها، ينظر إليها ويتأمل في أمرها، وهذا أمر معلوم عند من خالط الشيخ وعرفه تمام المعرفة.
حياته العلمية والعملية
أولا:الشيخ في العمل الرسمي في المكتب:
بعد أن يأتي سماحة الشيخ من درس الفجر في المسجد يدخل منزله ، ويرتاح قليلاً ، ويتناول الإفطار ، ثم يمضي إلى عمله في المكتب في الرئاسة ، وإن لم يكن عنده درس في المسجد فإنه يأتي بعد الفجر لمكتب البيت ، ويستمر مدة ساعتين أو أكثر تعرض عليه المعاملات ، وتقرأ عليه الكتب ، والبحوث ، والمقالات ، ثم يدخل منزله ويرتاح قليلاً ، ثم يتناول الإفطار ، ويمضي إلى عمله في المكتب بعد أن يؤدي صلاة الضحى.
وفي الطريق من المنزل إلى العمل يقرأ عليه منذ خروجه من المنزل حتى يصل.
وإذا ترجَّل من السيارة عند وصوله مقر العمل استقبله الناس على اختلاف طبقاتهم وحاجاتهم ، وفي طريقه من السيارة إلى مكتبه في رئاسه الإفتاء أو اللجنة يقضي حاجات كثيرة ، ويجيب عن أسئلة عديدة في تلك الخطوات القليلة المعدودة.
وسماحة الشيخ يذهب إلى مكتبه ، في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، يوم الأحد قبل الظهر ، ويوم الثلاثاء قبل الظهر.
وإذا كان في اللجنة استمع إلى الفتاوى المعدة من قبل اللجنة ، وبعد ذلك يتم تداول الرأي فيها مع أعضاء اللجنة قبل صدورها.
وبعد الظهر من يوم السبت يذهب سماحته - أيضاً - إلى اللجنة الدائمة لقراءة الفتاوى الصادرة من اللجنة لإقرارها ثم طبعها تحت إشراف صاحب الفضيلة الشيخ أحمد بن عبدالرزاق الدويش.
أما ماعدا هذه الأوقات فيمضي وقته في مكتبه في الرئاسة ، وهناك تعرض عليه أنواع المعاملات من مقالات ، وأقوال صحف ، وبحوث ، وشفاعات ، ونحوها.
وهناك يستقبل طلبات الناس ، ويجيب عن أسئلتهم.
وهناك يرد على الهاتف ، ويمنع من طرح سماعته.
وهناك يستقبل الزائرين ، والمسلِّمين.
وهناك يعرض عليه الموظفون المعاملات الخاصة من مكاتبهم عبر الهاتف ، أو يأتون إليه بها.
وهناك تعرض عليه أنواع المعاملات المتعلقة بالشؤون الإدارية للرئاسة ، والمكاتبات الرسمية الواردة إلى سماحته من الجهات الحكومية ، وكثير مما يتعلق بشؤون الدعوة إلى الله في الداخل والخارج ، وقضايا الحسبة ، والطلبات الشخصية من مشارق الأرض ومغاربها ، ومن جموع المسلمين الذين يتوافدون إلى مكتبه؛ التماساً لمساعدته لهم ، وتعرض عليه الاستفتاءات ، ولا سيما قضايا الطلاق ، والرضاع التي ينظر فيها سماحته بنفسه.
رحم الله الشيخ