روت عائشة رضي الله عنها، أن أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، (1)
فكان يأتي حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد، الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها، حتى فجئه الحق (2) وهو في غار حراء.
فجاءه الملك فيه، فقال: اقرأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فقلت: ما أنا بقارئ، (3) فأخذني فغطَّني (4) حتى بلغ مني الجهد، (5)ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ.
فأخذني فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق - حتى بلغ - علم الإنسان ما لم يعلم}).
فرجع بها ترجف (6) بوادره، (7) حتى دخل على خديجة، فقال: (زمِّلوني زمِّلوني). فزمَّلوه حتى ذهب عنه الروع، ([/size]فقال: (يا خديجة، ما لي؟). وأخبرها الخبر، وقال: (قد خشيت على نفسي). (9) فقالت له: كلا، أبشر.
فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، (10) وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. (11)
ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد ابن عبد العزى بن قصي، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي.
فقالت له خديجة: أي ابن عمِّ، اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى(12)
يا ليتني فيها جذعاً، (13) أكون حياً حين يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو مخرجيَّ هم؟). فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزَّراً (14)
ثم لم ينشب (15) ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة (16) حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما بلغنا، حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدَّى له جبريل، فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقا. فيسكن لذلك جأشه، وتقرُّ نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدَّى له جبريل فقال له مثل ذلك. [صحيح البخاري]
(1)ضياؤه (2)جاءه فجأة (3)لست بقارىء، أنا أمي
(4) غمني (5) المشقة (6) تضطرب (7) جمع بادرة وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق تضطرب عند فزع الإنسان( الفزع
(9) من الموت أو المرض من شدة الروع (10) من لا يقدر على العمل والكسب (11) كلمة جامعة لأفعال الخير والإحسان
(12) صاحب السر والمراد به جبريل يأتيه بالوحي.
(13) جذعا نصب خبرا لكان مقدرة أي أكون، وأصل الجذع الصغير من البهائم كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الإسلام شابا ليكون أمكن لنصره (14) قويا.(15) لم يلبث
(16) سكن وتأخر نزوله (17) قلبه
__________________
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) سورة محمد
________________________________________
وهو المبعوث -عليه الصلاة والسلام- إلى عامة الجن يعني أنه رسول الله إلى خلقه يعني الجن والإنس فهو رسول الله إلى الجن والإنس -عليه الصلاة والسلام- والأدلة في هذا واضحة، قال الله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى ثم قالوا بعد ذلك: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ فهذا دليل على أنه مرسل إليهم.
كذلك سورة الجن: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا سورة الرحمن: يا معشر الجن والإنس فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ قرأها النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهم وقرأها على الإنس فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لَلْجن أحسن ردا منكم ما قرأت عليهم هذه الآية فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ من مرة إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك يا ربنا نكذب فلك الحمد .
وثبت أيضا أنهم جاءوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأنهم سألوه الزاد فقال: لكم كُلُّ عَظْم ذُكِرَ اسمُ الله عليه يعود أوفر مما كان عليه لحما وكل بعرة. .. أي علف لدوابكم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تستنجوا بالعظم والروث فإنه زاد إخوانكم من الجن .
وثبت في قصة أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تبرح مكانك وأن الجن به حركة ولغط وأصوات فأراد أن يذهب لكنه ذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تبرح مكانك فلما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبره قال يا رسول الله سمعت كذا وكذا وخشيت عليك فتذكرت قولك: لا تبرح قال هل سمعت؟ قال: نعم فجاءه فأراه النبي -صلى الله عليه وسلم- مكان نيرانهم وأخبره أنهم سألوه كذا وكذا .
فهذه أدلة تدل على أنه مرسل إلى الجن -عليه الصلاة والسلام-. قال ابن القاسم: إنه لم يرسل نبي إلى الإنس وللجن إلا محمد -صلى الله عليه وسلم- لكن هذا بعيد؛ لأن ظاهر قوله تعالى: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى ظاهره بأن موسى مرسل إليهم يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى وكذلك أيضا قوله تعالى: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ دليل أنه أُرْسِل إليهم رُسُلٌ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ .
فإذن أحد الثقلين أرسل إليهم الرسل، ولكن النبوة والرسالة هل تكون في الجن هل يكون من الجن رسول ونبي قال بعضهم: هذا روي عن الضحاك بن مزاحم أنه يكون من الجن نبي، وقال آخرون كمجاهد وغيره والذي روي عن ابن عباس: أن الرسل تكون من الإنس خاصة، وأما الجن يكون فيهم نُذُرٌ يُنْذِرُونَ كما في الآية فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ .
النبوة والرسالة تكون في الإنس، والجن إنما يكون فيهم نُذُرٌ، وأما قوله تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ فلا يلزم من ذلك أن يكون الرسل منهم وإنما أحدهما وهو الإنس كقوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ثم قال: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ وإنما يخرج اللؤلؤ من أحدهما، وهو المالح دون العذب.
وقال آخرون: لا مانع يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ظاهرها أنه يكون منهم الجن، أن يكون من الجن رسل. وقالوا: إن القول يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ليس بصحيح أنه اللؤلؤ والمرجان لا يكون بل قد يخرج من الحلو والله أعلم بالصواب.
وأما قول النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسل إلى كافة الورى إلى عموم الناس إلى يوم القيامة العرب والعجم هذه أدلة واضحة ولا شك في هذا.
من أنكر رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى عموم الناس أو قال: إن النبوة رسالة خاصة بالعرب فهو كافر قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وقال سبحانه: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا وقال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا وقال تعالى: وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ إلى يوم القيامة كل من بلغ، وقال سبحانه وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا .
وقال سبحانه: أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ جميعا عموما، وقال -صلى الله عليه وسلم- في حديث صحيح: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار هذه الأدلة تدل على عموم الرسالة.
القرآن كلام الله تعالى
القرآن كلام الله تعالى ليس بمخلوق
قال رحمه الله: وإن القرآن كلام الله.
نعم كمِّل !.
منه بدأ بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وَحْيًا، وصَدَّقَه المؤمنون على ذلك حقًّا، وأيقنوا على أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية فمَن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ . فلما أوعد الله بسقر لمن قال إن هذا إلا قول البشر علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر ولا يشبه قول البشر.
________________________________________
"وإن القرآن كلام الله" بالكسر معطوف على قوله: "نقول في توحيد الله بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، وإن محمد عبده المصطفى، وإن القرآن كلام الله" الكل معمول قول: نقول: إن الله واحد لا شريك له نقول في توحيد الله: "إن الله واحد لا شريك له، ونقول: إن محمدًا عبده المصطفى ورسوله" ونقول: "إن القرآن كلام الله".
القرآن كلام الله، صفة من صفاته، فالقرآن كلام الله -عز وجل- تكلم به وأنزله على نبيه وحيا، وليس بمخلوق كما يقول أهل البدع، وليس معنى قائم بالنفس بل هو كلام الله تكلم به بحرف وصوت يسمع سمعه جبرائيل، وكلم الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج، وسمع موسى كلام الله.
هذا هو الحق الذي عليه أتباع الرسل من أهل السنة والجماعة والصحابة والتابعين وأتباعهم: أن القرآن كلام الله، وأنه صفة من صفاته -عز وجل- وأن الله تكلم بحرف وصوت يسمع، وأنه ليس بمخلوق ككلام البشر؛ خلافا لأهل البدع، ومسألة الكلام مسألة عظيمة، وهي من المسائل الكبار المشهورة التي تنازع الناس فيها، وهي من الصفات العظيمة التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وأهل الحق وبين المخالفين لهم، ففي معنى كلام الله وحقيقة كلام الله مذاهب للناس، وهذه المسألة من المسائل العظام.
ولما كان النزاع فيها شديدا بين أهل السنة وأهل البدع؛ ولما كان الحق قد يلتبس بالباطل لكثرة من خاض في هذه المسألة؛ فلا بد من استعراض المذاهب في هذه المسألة وبيان القول الحق الذي تشهد له الأدلة والنصوص، وتشهد له العقول والفطر لا بد من بيان القول الحق الذي تقتضيه النصوص، وتشهد به العقول السليمة والفطر المستقيمة، والناس تنازعوا في كلام الله على مذاهب، لكن أبرز المذاهب في هذه المسألة ثمانية مذاهب هذه لأهل الأرض جميعا سبعة مذاهب باطلة، والمذهب الثامن هو قول الحق.
ومع كون هذه المذاهب الباطلة سبعا يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: هذه المذاهب السبعة هي الذائعة بين الناس وبين فضلاء العالم لا يعرفون غيرها مع بطلانها، وهذه المذاهب بعضها فكرية وبعضها مبتدعة.
المذهب الأول مذهب الاتحادية، المذهب الثاني مذهب الفلاسفة، المذهب الثالث مذهب السالمية، المذهب الرابع الكرامية، المذهب الخامس مذهب الكلابية، المذهب السادس مذهب الأشعرية، المذهب السابع مذهب الجهمية والمعتزلة، المذهب الثامن مذهب أهل السنة والجماعة، هذه أبرز المذاهب وهناك مذاهب أخرى لكن ليست مشهورة، لكن هذه أبرز المذاهب، مذاهب أهل الأرض جميعا في مسمى كلام الله ما هو ؟
المذهب الأول مذهب الاتحادية: والاتحادية هم الذين يقولون بوحدة الوجود وأن الوجود واحد يقولون: إن كلام الله كل كلام يسمع في الوجود فهو كلام الله، سواء كان حقا وصدقا أو كذبا وسواء، كان نظما أو نثرا سواء، كان حقا أو باطلا وزورا وبهتانا وسواء كان كلام الأعجميين، أو كأصوات الطيور، أو الحيوانات كله كلام الله، نعوذ بالله من ذلك.
كما قال زعيمهم ابن عربي الطائي رئيس وحدة الوجود:
ألا كل قول في الوجود كلامه ســواء علينـا نـثره ونظمـه
لكن موجود في كتابه "الفتوحات المكية"
ألا كل قول في الوجود كلامه ســواء علينـا نـثره ونظمـه
فإذا مذهب الاتحادية كل كلام يسمع في الوجود فهو كلامه سواء كان نظما أو نثرا، سواء كان حقا أو باطلا، وسواء كان كلام آدميين أو غيره.
وهذا المذهب مبني على مذهبهم في القول بوحدة الوجود؛ فإن مذهبهم أن الوجود واحد ليس هناك موجودات، ليس هناك رب وعبد ولا خالق ولا مخلوق، بل الوجود واحد الرب هو العبد والعبد هو الرب، والخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق لا فرق بينهم؛ ولهذا يقول ابن عربي الطائي:
الــرب عبــد والعبــد رب يـا ليـت شعري مَن المكلف
إن قلــت عبـد فـذاك ميـت أو قـلت رب أنَّـــى يُكَلَّف
إن ثبت عليه الأمر إذن العبد هو الرب، والرب هو العبد أيهما المكلف، إن قلت: عبد فذاك ميت وذاك نفي وإن قلت رب أنَّى يُكَلَّف وقال أيضا رب مالكٌ وعبد هالكٌ، وأنتم ذلك والعبد فقط والكثرة، وهم هؤلاء الاتحادية من أكثر خلق الله أكثر خلق الله هم الاتحادية وهم منافقون زنادقة يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر فهم في الدرك الأسفل من النار، نعوذ بالله من المنافق والمنافقون.
والله -تعالى- يقول: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وكل كفر، فجزاء مَن كَفَرَ النار، نسأل الله السلامة والعافية، ليس بعد هذا كفر ليس فوق هذا إنكار كامل لوجود الله فإذن مذهبهم في القول بوحدة الوجود مذهبهم في الكلام مبني على القول بوحدة الوجود وأصل هذا المذاهب نشأ من إنكار مسألة المباينة والعلو أنكروا علو الله على الخلق، وأنكروا مباينته لهذه المخلوقات، قالوا: ليس منفصلًا عنها ولا مبينا لها ولا فوقها وقرروا هذه القاعدة، وهذا الأصل.
فلما تقرر هذا عندهم وهو إنكار مباينة الله للمخلوقات، وإنكار العلو صاروا بين أمور ثلاثة: إما أن يقولوا: إنه معدوم لا وجود له، وهذا ما استساغوه؛ لأن الناس يكذبون، فقالوا: إن الله معدوم كذبوه، وهم منافقون زنادقة؛ لأن هؤلاء الاتحادية يظهرون الإسلام ويخفون الكفر؛ ويدعون الإسلام؛ ولهم مؤلفات تحقق وتنشر ككتاب "الدرة" وغيره تحقق ولهم مؤلفاتهم محققة توجد في كثير من الأقطار العربية وتطبع بورق ثقيل وخط واضح وتحقق.
وهناك من يدافع عن ابن عربي يدافع عنه ويقول: إنه معذور لا تظنوا أن هذا المذهب ما هو موجود مذهب الاتحادية؟ موجود ومنتشر وهناك رجل في السودان على عهد النميري الحاكم الأول يقال له العربي ادعى أن الله حَلَّ فيه، وقال: إنه هو الله والعياذ بالله فلا تظنون أن مذهب الاتحادية ما هو موجود، وهم من أكثر خلق الله بل أكثر خلق الله.
لهذا اقتضى العلماء لبيان هذا الكفر ويدعون أنهم أولياء الله وهم الخواص والعياذ بالله، هذا ابن العربي له مؤلفات وكتب "الفتوحات المكية" وله مؤلفات في الفقه فلا بد من بيان الشرح حتى لا ينطلي على بعض الناس، فلما أنكروا مباينته لخلقه وعلوه فصاروا بين واحد من ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن يقولوا بأن الله معدوم لا وجود له صراحة، وهذا ما استساغوه؛ لأن الناس يكشفون كفرهم؛ وهم زنادقة يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر فاستبعدوا هذا الأمر.
الأمر الثاني: أن يقولوا: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا مغاير له، ولا محايد له، ولا متصل به، ولا منفصل عنه كما قال الجهمية الذين نفوا عن الله النقيضين قالوا هذا أيضا ما استساغوا هذا القول، وقالوا هذا غير متصور ولا يمكن تصور هذا.
فاختاروا القول الثالث: وهو أن الله هو عين المخلوقات، فالخالق هو المخلوق والرب والعبد كل ما تروه هو الرب. قال ابن عربي: "سِرْ حيث شئت فإن الله ثَمَّ وقُل ما شئتَ به فالواسع الله، فكل شيء تراه هو الله، والله هو عين هذه المخلوقات، وهو عين هذه الموجودات". والشيء لا يحايد نفسه، ولا ينافيها فثبت عند هؤلاء الملاحدة أن الله عين هذه المخلوقات؛ فلما ثبت عندهم أن الله عين هذه المخلوقات، قالوا: إن كل كلام في الوجود هو كلامه سواء كان حسنا أو قبيحا، وسواء كان كفرا أو إيمانا، وكل اسم فهو له حسن أو قبيح، وكل صفة فهي له صفة نقص أو كمال، وهذا مذهب كفري شديد بل هم أعظم الناس كفرا، كفى أن يقال: يجرؤ عاقل أن يقول كل كلام يسمع في هذا الوجود كلام الله من الكفر والسب والشتم والغناء والباطل إلى غير ذلك.
وهؤلاء كفرة لا يؤمنون بالله ولا بملائكته ولا بكتبه ولا برسله ولا باليوم الآخر ولا بالقدر خيره وشره فهم أكثر الناس، نسأل الله السلامة والعافية، ومن فروع هذا المذهب أنهم يقولون: إن فرعون مصيب حينما قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى وكذلك عباد الأصنام والأوثان يكونون على الحق هم على الحق والصواب، وكل من عبد شيئا فهو مصيب من عبد النار فهو مصيب، من عبد الصنم فهو مصيب، ومن عبد النيران فهو مصيب، ومن عبد العجل فهو مصيب كلهم مصيبون، وإنما الكفر بالتخصيص لا تنهى أحدا عن شيء فإذا خصصت شيئا، وقلت: لا يجوز عبادة إلا هذا الشيء فهذا هو الكفر التخصيص.
وابن عربي له مُؤَلَف من مؤلفاته أنه يقول: إن فرعون مصيب حينما قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ويقول: إنه أُغْرِق لما أَغْرَقه الله لما أُغْرِق في البحر قال هذا الإغراق تطهير له الحسبان والوحي تطهير له؛ لأنه ظن أنه الرب وحده، وهذا غلط حينما قال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى كل واحد رب فلما حسب هذا الحسبان أغرق تطهيرا له، هذا هو الحسبان ويقول معارضة لكتاب الله إن موسى -عليه الصلاة والسلام- لما أخذ برأس هارون ولحيته حينما عبدوا العجل يقول أخذ برأسه ولحيته يقول لماذا تنهاهم عن العجل وهم على الصواب.
المؤلفات موجودة الآن، وهناك من يدافع عنها، نسأل الله السلامة والعافية، ومن فروع هذا المذهب أنه لا فرق بين الزنى والنكاح، ولا بين الخمر والماء، ولا بين الأم والأخت والأجنبية الكل واحد، ومن فروع هذا الأمر ضيقوا على الناس وبعدوا عليهم الأصول، والواقع وراء ذلك كله، نسأل الله السلامة والعافية.
فالمقصود أن هذا المذهب الكفري هو موجود موجودة مؤلفاته، نبه عليها العلماء، وهناك من يدعي أنهم على الصواب والاتحادية، وأنهم أولياء الله وهناك من يعتذر عنهم فلا بد أن يكون طالب العلم على حذر، وعلى إلمام بهذا المذهب الخبيث الذي هو أكفر مذهب في الأرض، نسأل الله السلامة والعافية، وبهذا القدر نكتفي لئلا نسترسل في الكلام، ونسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح، ونسأل الله للجميع السلامة والعافية من الفتن إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
س: أحسن الله إليكم يقول السائل: ما قول أهل السنة والجماعة في مسألة حياة الأنبياء في قبورهم أهي حياة حقيقية أم برزخية؟ وإذا قلنا: إنها حقيقية فهي حجة للصوفية الذين يدعون الأنبياء والصالحين ويتوسلون إليهم بالدعاء بحجة أنهم أحياء وإذا قلنا: إنها برزخية لم يكن ثمة فرق بينهم وبين سائر المؤمنين نرجوا توضيح ذلك؟ أفادكم الله.
ج: حياة الأنبياء حياة حقيقية برزخية؛ لكنها لا تشبه حياة الدنيا والروح لها تعلقات بالبدن تختلف فتعلق الروح بالبدن في الحياة الدنيا غير تعلقها به بالبرزخ، وغير تعلقها به في النوم، وغير تعلقها به في يوم القيامة، فالنائم روحه لها تعلق به. فالروح قد تذهب إلى مكان بعيد ولكنها قريبة، فإذا ضربت رجلك جاءت الروح بسرعة، وكما سيأتي في قصة موسى -عليه الصلاة والسلام- رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج ليلة أسري به قائما يصلي، ورآه في السماء السادسة فالروح سريعة فهي حياة برزخية حقيقية، لكنها ليست كحياة الدنيا، والرسول -صلى الله عليه وسلم- والأنبياء ميتون، ولا يقال: إنهم أحياء قال تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وهذه الحياة البرزخية لا تنافي أنهم ميتون، ولذلك من دعا الأموات فهو كافر، ولو كان الميت حي الحياة البرزخية أنت منهي أن تدعو الميت، ولو كان له حياة برزخية، ولا إشكال في هذا. نعم.
س:أحسن الله إليكم يقول السائل:
إن الله لا يفتقر لوجود خلقه فهو الكامل بذاته وصفاته سبحانه، وبما أن الصفات لا تنفك عن الذات فالفعل ممكن الحدوث فهو موصوف به، وإن لم يحدث في وقت من الأوقات فلماذا يصرف النص عن ظاهره في قوله -صلى الله عليه وسلم- كان الله وليس معه شيء أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-.
ج- السؤال يدل على عدم فهم السائل، الله تعالى متصف بفعله والفعل غير المفعول، والفعل وصفه -سبحانه وتعالى- قائم بذاته والمفعول المخلوق المنفصل فلا تخلط بين هذا وهذا، فالرب فعَّال صفة الفعل قائم بذاته، وهو غير المفعول المخلوق المنفصل المخلوق، السماوات والأرض مخلوقة لله، والخلق غير المخلوق والفعل غير المفعول فالخلق وصف الله، والفعل وصف الله، والمفعول المخلوق هو المفعول المنفصل، والله تعالى يوصف بأنه فعال، والمخلوقات منفعلة ليست هي الفعل وليست هي الخلق. نعم.
س- أحسن الله إليكم يقول السائل: هل يجوز القول: ولا يسأل عن الله متى كان؛ لأن الله هو خالق الزمان؟
ج- نعم الله -تعالى- هو أول كل شيء، أول لا بداية له كما أن آخريته لا نهاية لها. نعم.
س- أحسن الله إليكم يقول السائل: ما رأيكم بكتاب "عمر أمة الإسلام وظهور المهدي عليه السلام" وهو كتاب توصل فيه الباحث -وهو من جامعة عربية- إلى أن عُمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ما بين ألف وأربعمائة إلى ألف وخمسمائة سنة استنادا لبعض أحاديث الصحيحة والآثار عن علماء الإسلام الأولين كالسيوطي وغيره؟ حفظكم الله.
ج- ما رأيت الكتاب ولا قرأته، ولكن تحديد عمر الأمة تحديد باطل ليس هناك دليل، ولا أظن يثبت أن هناك تحديد بالسنين لكن الله -سبحانه وتعالى- جعل علامات للساعة وأشراط، وأشراط الساعة الكبار إذا ظهرت كلها فالساعة تعقبها فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا كما قال الله تعالى، أما التحديد بالمئات والآلاف فهذا لا دليل عليه ولا يثبت في هذا شيء. نعم.
س- أحسن الله إليكم: جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله عن موسى: لا أدري هل أفاق قبلي أو لا؟ أم كان ممن استثناه الله والسؤال من هم الذين استثناهم الله من الصاعقة.
ج- الصواب أن هذا وهم من بعض الرواة كما نبه على ذلك محققون من أهل العلم والحديث كاالعلامة ابن القيم وغيره وأن صواب الحديث: لا تفضلوني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فإذا موسى آخِذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدرى أفاق قبلي أم جُوزِيَ بصعقة يوم الطور .
وهذه الصعقة إنما هي صعقة في موقف القيامة، وسببها تجلي الله للخلائق لفصل القضاء حينما يتجلى الله لفصل القضاء خشية، ثم يفيقون فأول من يفيق النبي -صلى الله عليه وسلم- فيجد موسى قائما آخذ بقائمة العرش قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- فلا أدري هل موسى صعق فأفاق أم أنه لم يصعق مجازاة له بصعقة يوم الطور وعلى كل حال فهي مَنْقَبَة لموسى، ولكن الفضيلة الخاصة لا تدل على الفضل العام وإنما هي منقبة لموسى أنه لما يزول الصعق، ويفيق نبينا -صلى الله عليه وسلم- يجد موسى قاعدا، قال: ما أدري هل صعق فأفاق قبلي أم أنه لم يصعق مجازاة له بصعقة يوم الطور؟ .
أما رواية بعضهم فلا أدري أفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله فهذا وهم بعض الرواة؛ لأن الصعق ليس فيه استثناء، لماذا يستثنى، ليس استثناء في صعقة الموت، قال الله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ صعقة الموت حين ينفخ إسرافيل في آخر الدنيا، فيصعق الناس ويموتون ولكن هناك مَن يستثنه الله منها الأرواح لا تموت؛ لأنها باقية؛ وكذلك ما في الجنة من الحور وغيرها باقية هذا مما استثناهم الله.
أما صعقة التجلي فليس فيها؛ فالصواب أنها لمن ثبت في حديث البخاري استثناء ولكن هذه اللفظة رأى بعض الرواة ولا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثناهم الله صواب، وصواب الحديث ما جاء في الرواية أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور أما لفظة أفاق قبلي أم كان من الذين استثناهم الله وهم من بعض الرواة كما نبه على ذلك المحققون من أهل العلم والحديث؛ وذلك؛ لأن الصعقة في يوم القيامة التي سببها التجلي لفصل القضاء ما فيها استثناء كل الناس يصعقون إنما الاستثناء في الصعقة التي تكون في آخر الدنيا صعقة الموت، نعم. والله أعلم.
س- أحسن الله إليكم: ما معنى قول وهب بن منبه: "نظرت في القدر فتحيرت ونظرت فيه فتحيرت ووجدت أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه وأجهل الناس بالقدر أفقهم به" لا سيما وقد كثر خوض الطلاب في القدر بلا فائدة بعد الدرس في القدر.
ج- لسنا مكلفين بتفسير كلام وهب بن منبِّه، وهب بن منبِّه من العلماء التابعين ومنبه من العلماء الذين أسلموا من بني إسرائيل، قد يكون قوله صوابا، وقد يكون خطأ، ولسنا مُتَعَبَّدِين بأن نفسر كلامه، نعم فنحن نفسر كلام الله وكلام رسوله هذا من الصحة والقدر لا يجب للإنسان أن يخوض فيه، وكما سيأتي -إن شاء الله- في الطحاوية أن قول الطحاوي: "القدر سر الله في الخلق فمن سئل عن فعل فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين" سيأتي -إن شاء الله- لا نستعجل. نعم.
س-أحسن الله إليكم، هل النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل من السموات والأرض ومن ميكائيل وجبرائيل وأفضل من العرش والكرسي وأفضل من كل شيء ؟
ج- نعم ظاهر الأدلة أنه أفضل المخلوقات -صلى الله عليه وسلم- هذا وهو أفضل المرسلين، الصواب وأفضل الملائكة ومسألة تفضيل الأنبياء وتفضيل صالح البشر على الملائكة فيها كلام أهل العلم من العلماء، من قال: إن الأنبياء أفضل ومنهم من قال: إن الملائكة أفضل، ومنهم قال: إن صالح البشر أفضل.
شارح الطحاوية قال: "إن هذه المسألة من فضول الكلام، فالأولى تركها". لكن حقق شيخ الإسلام ابن تيمية هذه المسألة وقال: "إني كنت أظن هذه المسألة من بدع الكلام فتبين لي أنها مسألة أثرية صحابية سلفية، وحقق القول بأن الأنبياء وسائر الرسل أفضل من الملائكة لكن هذا عند كمال حالهم عند دخول الجنة، وإن كان حال الملائكة قد يكون في الدنيا أفضل، لكن في النهاية حال الأنبياء وصالح البشر أفضل". نعم.
س-أحسن الله إليكم في أي كتب السنة ورد لفظ أعطيت ستا -وفيها وختم بي النبيون فرواية الصحيحين أعطيت خمسا لم يعطهن غيري ولم يذكر فيها وختم بي النبيون
ج- أعطيت ست خصال أخرجها مسلم عن شرح الطحاوية فارجع إليها. نعم.
س-أحسن الله إليكم هل هناك فرق بين العارف والعالم عند الصوفية.
ج- الصوفية عندهم العارف من المعرفة والعلم، الله تعالى يوصف بالعلم لا بالمعرفة؛ وسيأتي كلام الطحاوي -رحمه الله- وذلك بأن الله ما هو إله معرفة وأن هذا منتقد. نعم.
س- يقول السائل: هل يجوز لنا أكل لحوم مَن يدعي وحدة الوجود.
ج- نعم التحريم لا غيبة إلا لفاسق إذا أظهر فسقه ليس له غيبة، فإذا ما رأيت إنسان يحلق لحيته، وقلت فلان يحلق لحيته هل تكون غيبة؟ لا فهو الذي فضح نفسه إذا المجاهر بالمعصية لا غيبة له، والمجاهر بالبدعة أعظم، والمجاهر بالكفر أعظم وأعظم، فالتحذير من البدع والمنكرات، والتحذير من الكفر ما يسمى غيبة، هذا نصح لله ولرسله، والنصيحة واجبة، التحذير من الكفر والبدع هذا ليس غيبة، والتحذير من الشر حتى إن الميت كما جاء في الحديث: لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا لا يسب الميت لكن إذا كان في التحذير من بدعة الميت مصلحة للأحياء نحذر من بدعته حتى لا يتضرر الأحياء. نعم.
س-هل يجوز لنا أكل لحوم ممَن يدعي وحدة الوجود؟
ج- إذا كانت لحوم تعني غيبتهم فقد سبق الجواب، هل يجوز أكل ذبيحتهم أما الذبائح فالكافر لا تصح ذبيحته أما اليهود والنصارى فَمُسْتَثْنَوْنَ، أهل الكتاب قال تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ هذا إذا عرفت أنهم يذبحون على الطريقة الشرعية أو جهلت الحال، أما إذا علمت أنه يذبح بالصعق أو بالكهرباء أو بالخنق هذا، لا تأكل أو يقول حين الذبح: باسم المسيح، فلا تأكل لكن إذا جهلت ما تدري فالأصل حلال للآية، وذلك؛ لأن اليهود وأهل الكتاب مستثنون فكفرهم أخف.
أما الوثنيون وأما المجوس وأما المنافقون فهؤلاء أعظم وأعظم هؤلاء ذبائحهم ولحومهم لا تحل.
س- توجد لدينا جامعة تابعة للصوفية تدرس أمورا كفرية، فما النصيحة التي تقدمونها لنا؟ وما الواجب علينا تجاه أصحابها ؟
ج- الواجب الابتعاد بأنفسكم فلا تدرسوا في هذه الجامعة، وأن تحذروا المسلمين من الدخول فيها تحذروا الناس، وتبينوا ضلالها، وتبينوا أن ما هم عليه كفر وضلال نصحا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. نعم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فإن مبحث الكلام مبحث عظيم، وهو من المسائل التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين المخالفين لهم كما سبق بيان ذلك، وقلنا: إن المسألة فيها ثمانية أقوال للناس في مسمى كلام الله عز وجل.
المذهب الأول مذهب الاتحادية: سبق الكلام عليه بالأمس، والمذهب الثاني مذهب الفلاسفة وأتباعهم، الفلاسفة المَشَّاءون ومن تبعهم من متكلم ومن متصوف كابن سينا والفارابي وابن عربي وغيرهم، الفلاسفة مذهبهم في كلام الله عز وجل أنه خيرٌ فَاضَ من العقل الفَعَّال على النفس الفاضلة الذكية فحصل لها تصورات وتصديقات لحصر ما قبلت منه فكلام الله ليس حرفا ولا صوت، ولكنه معانٍ تفيض على النفوس الفاضلة الذكية.
ويحصل لها تصورات وتصديقات بحسب ما قبلته من هذا الفيض، وهذا المذهب في الكلام مبني على مذهبهم في القول بقِدَم العالم، وأن العالم لازم لله أزلا وأبدا، فالفلاسفة يذهبون إلى أن العالم لازم لله لا ينفك عنه في الأزل، ولا في الأبد كلزوم الضوء للسراج فلا يقولون: إن العالم حادث بل يقولون: إن العالم قديم كقدم الله وهذا المعنى إنكار لوجود الله وأنه واجب الوجود بذاته وأنه الأول الذي ليس قبله شيء فَبَنَوْا على هذا الأصل، وهو القول بقِدَم العالم أن الكلام معنى يفيض على النفس الفاضلة الذكية فيحصل لها تصورات وتصديقات بحسب ما قبلت منه.
وأصل هذا أنهم لم يؤمنوا بالرب الذي أخبر عن نفسه أنه الأول، وليس قبله شيء، والذي عرف اسمه الرسل الفعال لما يريد المتصف بالصفات القادر على كل شيء المتكلم بقدرته ومشيئته؛ لما لم يؤمنوا بالرب -سبحانه وتعالى- الذي وصف نفسه وسماها بأسماء وصفات؛ لما لم يؤمنوا بذلك قالوا: إن العالم قديم، ثم إن الكلام فضل فاض من العقل الفعال.
وحقيقة هذا المذهب الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. فهم لم يؤمنوا برسله فهم كفرة ملاحدة؛ لأنهم لم يؤمنوا بالله ربا وإلها ومعبودا بالحق، وأنه الأول الذي ليس قبله شيء، وأنه الغني بذاته الذي لا يحتاج إلى أحد، وأن له الكمال في أسمائه وصفاته فلم يؤمنوا به بالرب ولا بالملائكة ولم يؤمنوا بالكتب المنزلة ولم يؤمنوا بالرسل، ولم يؤمنوا باليوم الآخر، ولا بالبعث والنشور، ولا بالجنة والنار، ولم يؤمنوا بالقدر فهم كفرة ملاحدة، نسأل الله السلامة والعافية.
وهم يلتقون مع الاتحادية الذين يقولون: الوجود واحد، العبد هو الرب، والرب هو العبد، وهؤلاء يقولون: إن العالم قديم ولازم للرب ولم يثبتوا ربا غنيا خالقا قادرا بمشيئته، وقالوا: إن الرب هو أول هذا العالم، وهو المحرك له، وهو العلة، وهو مبدأ هؤلاء الكفرة، وهو العلة الغائية لحركته هم بهذا يلتقون مع الاتحادية كلهم كفرة كلهم ملاحدة زنادقة، نسأل الله السلامة والعافية.
هذان المذهبان كفريان، ولكن العلماء يذكرون هذه المذاهب؛ لأن الملاحدة تستروا باسم الإسلام، وهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر والإلحاد، وكذلك الفلاسفة هناك من يظن من الناس أنهم على حق، وأنهم على صواب، وأنهم أهل علم، وأهل قواعد، وأصول فاغتر بهم كثير من الناس من أهل البدع، وظنوا أنهم على حق وصواب، هذان المذهبان كفريان.
المذهب الثالث: مذهب السالمية أتباع هشام بن سالم الجواليقي وتبعهم بعض أتباع الأئمة الأربعة أو بعض من ينتسب للحديث ذهبوا إلى أن كلام الله ألفاظ ومعاني وحروف وأصوات قديمة في الأزل لم تزل ولا تزال ولا يقولون: إن الكلام متعلق بقدرة الله ومشيئته بل يقولون: إن الكلام قديم ألفاظه ومعانيه، والحروف والأصوات وما دامت الألفاظ قديمة فالحروف التي تؤلف هذه الأصوات قديمة، وما دامت المعاني قديمة، فالحروف التي تتألف من هذه الألفاظ قديمة.
وهم يقولون: إن كلام الله نوعان نوع يصنع بواسطة ونوع يصنع بغير واسطة كما سُمِع بجبرائيل وبواسطة كما سَمِع محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- كلام الله بواسطة جبرائيل، لكن الكلام وإن كان لفظا ومعنى، وإن كان بحرف وصوت إلا أنه قديم لم يزل ولا يزال ولا يزال الرب يتكلم في القدم والأزل، وأيضا حروف الكلمات كلمات الرب مقترنة لا يسبق بعضها بعضا. الباء مع السين مع الميم كلها يتكلم بها للرب دفعة واحدة هكذا يقولون.
وقالوا: إن الحروف إنما تسمع متعاقبة بالنسبة لسمع الإنسان وإلا فالحروف مقترنة وشبهتهم في ذلك؛ لأن هذا المذاهب مبني على أن الكلام لا بد أن يقوم بمتكلم وأن الرب ليس محلا للحوادث قالوا: لو قلنا: إن كلام الرب متعلق بقدرته ومشيئته لصار محلا للحوادث لصار يحفظ الكلام في ذاته فلا أقول: إن الكلام متعلق بقدرته ومشيئته بل يقولون: إن الكلام قديم في الأزل لم يزل ولا يزال وإن كانت حروف وأصوات لم يزل الرب يتكلم في القدم والأزل، لكن لا يتعلق الكلام بقدرته ومشيئته متى شاء تكلم بل يقولون: إن الكلام قديم أزلي لا يزال الرب يتكلم الحروف مقترنة.
ولهذا يسمونهم بالأقرانية نسبة إلى الاقتران الذي ذكروا في الحروف، وأن الرب يتكلم بها دفعة واحدة الباء مع السين مع الميم ليست متعاقبة، تأتي السين بعد الياء قالوا لو قلنا: إن الحروف متعاقبة للزم ذلك أن يحدث الحرف الثاني في ذات الرب فيكون ذلك محل للحوادث، وهذا مذهب باطل.
وقولهم: إن الكلام ألفاظ ومعان وحروف وأصوات قائمة بذات الرب فهذا حق، لكن قولهم: إنه لا يتعلق بقدرته ومشيئته فهذا باطل، الرب لم يزل يتكلم الكلام قديم لكن ألفاظه لم تزل حادثة متعلق بمشيئته فهو يكلم جبريل ويكلم الملائكة ويكلم الأنبياء ويكلم الناس يوم القيامة، فالقول بأنه لا يتعلق بقدرته ومشيئته تعطيل للرب من الكمال وتنقص للرب.
فكذلك قولهم: إن الحروف مقترنة وأنه لا يسبق بعضها بعضا تخليط وهذيان مخالفٌ للحِسِّ، وما هو معلوم بالفطرة؛ لأن الكلمة إذا كانت مكونة من حرفين فلا يمكن للمتكلم أن يتكلم بالحرف الثاني إلا بعد الأول، ولا وجود للكلمة إلا بالتعاقب والقول بأنها غير متعاقبة تخليط وهذيان غير متصور، وقولهم: إنه يلزم من ذلك أن تحدث الحروف في ذات الرب، فهذا باطل؛ لأن هذا يلزم بالنسبة للمخلوق أما الخالق فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين؛ لأن الرب لا يشابه المخلوقين لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه.
المذهب الرابع مذهب الكلابية: أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب يرون أن كلام الرب معنى قائم بنفس الرب ليس بحرف ولا صوت أن كلام الرب معنى قائم بنفس الرب ليس بحرف ولا صوت ولا يسمع، وهو لازم لذاته كلزوم السمع والبصر والعلم فالكلام معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يسمع وهو لازم لذات الرب كلزوم الحياة والسمع وللبصر وهو أربع معانٍ في نفسه: الأمر والنهى والخبر والاستفهام.
وأما الحروف والأصوات فهذه الحكاية دالة على كلام الله وليست كلام الله وليس في المصحف كلام بزعمهم بل ما فيه إنما هو حروف وكلمات دالة على كلام الله، وليس هي كلام الله فكلامه الله في نفسه لا يسمع والحروف والأصوات حكاية دالة عليه، وهذا المذهب مبني بأن الكلام لا بد أن يقوم بالمتكلم، وعلى هذا أيضا أن الله ليس محلا الحوادث؛ لأنه لو كان حرفا وصوتا لكان محلا للحوادث ومرارا من ذلك قالوا ليس بحرف ولا صوت، وإنما هي حكاية دالة عليه.
ويُنَاقش هؤلاء الكلابية: أنتم تقولون: إن الحروف والأصوات حكاية عن كلام الله. فحكاية الشيء إنما تكون بالإتيان بمثل الشيء من غير زيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير تقول: حكيت الحديث بعينه تريد أن الرواية مطابقة للحديث من غير زيادة ولا نقص، والحروف والأصوات ليست مطابقة للمعنى القائم بنفس الرب فكيف يقال: إنها حكاية لكلام الله.
ثانيا: لو كانت الحروف والأصوات حكاية عن كلام الرب كما تزعمون فلزم من ذلك أن تكون صفات الله محكية، وله مثل وشبيه والله ليس له مثل ولا شبيه.
ثالثا: لو كانت الحروف والأصوات حكاية عن كلام الله، لكان الناس قد أتوا بكلام مثل كلام الله، وحينئذ يبطل تحديهم، وقد قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا وقال أيضا: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . [/size][/b][/b][/size]
فكان يأتي حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد، الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها، حتى فجئه الحق (2) وهو في غار حراء.
فجاءه الملك فيه، فقال: اقرأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فقلت: ما أنا بقارئ، (3) فأخذني فغطَّني (4) حتى بلغ مني الجهد، (5)ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ.
فأخذني فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق - حتى بلغ - علم الإنسان ما لم يعلم}).
فرجع بها ترجف (6) بوادره، (7) حتى دخل على خديجة، فقال: (زمِّلوني زمِّلوني). فزمَّلوه حتى ذهب عنه الروع، ([/size]فقال: (يا خديجة، ما لي؟). وأخبرها الخبر، وقال: (قد خشيت على نفسي). (9) فقالت له: كلا، أبشر.
فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، (10) وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. (11)
ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد ابن عبد العزى بن قصي، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي.
فقالت له خديجة: أي ابن عمِّ، اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى(12)
يا ليتني فيها جذعاً، (13) أكون حياً حين يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو مخرجيَّ هم؟). فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزَّراً (14)
ثم لم ينشب (15) ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة (16) حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما بلغنا، حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدَّى له جبريل، فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقا. فيسكن لذلك جأشه، وتقرُّ نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدَّى له جبريل فقال له مثل ذلك. [صحيح البخاري]
(1)ضياؤه (2)جاءه فجأة (3)لست بقارىء، أنا أمي
(4) غمني (5) المشقة (6) تضطرب (7) جمع بادرة وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق تضطرب عند فزع الإنسان( الفزع
(9) من الموت أو المرض من شدة الروع (10) من لا يقدر على العمل والكسب (11) كلمة جامعة لأفعال الخير والإحسان
(12) صاحب السر والمراد به جبريل يأتيه بالوحي.
(13) جذعا نصب خبرا لكان مقدرة أي أكون، وأصل الجذع الصغير من البهائم كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الإسلام شابا ليكون أمكن لنصره (14) قويا.(15) لم يلبث
(16) سكن وتأخر نزوله (17) قلبه
__________________
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) سورة محمد
________________________________________
وهو المبعوث -عليه الصلاة والسلام- إلى عامة الجن يعني أنه رسول الله إلى خلقه يعني الجن والإنس فهو رسول الله إلى الجن والإنس -عليه الصلاة والسلام- والأدلة في هذا واضحة، قال الله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى ثم قالوا بعد ذلك: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ فهذا دليل على أنه مرسل إليهم.
كذلك سورة الجن: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا سورة الرحمن: يا معشر الجن والإنس فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ قرأها النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهم وقرأها على الإنس فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لَلْجن أحسن ردا منكم ما قرأت عليهم هذه الآية فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ من مرة إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك يا ربنا نكذب فلك الحمد .
وثبت أيضا أنهم جاءوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأنهم سألوه الزاد فقال: لكم كُلُّ عَظْم ذُكِرَ اسمُ الله عليه يعود أوفر مما كان عليه لحما وكل بعرة. .. أي علف لدوابكم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تستنجوا بالعظم والروث فإنه زاد إخوانكم من الجن .
وثبت في قصة أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تبرح مكانك وأن الجن به حركة ولغط وأصوات فأراد أن يذهب لكنه ذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تبرح مكانك فلما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبره قال يا رسول الله سمعت كذا وكذا وخشيت عليك فتذكرت قولك: لا تبرح قال هل سمعت؟ قال: نعم فجاءه فأراه النبي -صلى الله عليه وسلم- مكان نيرانهم وأخبره أنهم سألوه كذا وكذا .
فهذه أدلة تدل على أنه مرسل إلى الجن -عليه الصلاة والسلام-. قال ابن القاسم: إنه لم يرسل نبي إلى الإنس وللجن إلا محمد -صلى الله عليه وسلم- لكن هذا بعيد؛ لأن ظاهر قوله تعالى: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى ظاهره بأن موسى مرسل إليهم يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى وكذلك أيضا قوله تعالى: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ دليل أنه أُرْسِل إليهم رُسُلٌ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ .
فإذن أحد الثقلين أرسل إليهم الرسل، ولكن النبوة والرسالة هل تكون في الجن هل يكون من الجن رسول ونبي قال بعضهم: هذا روي عن الضحاك بن مزاحم أنه يكون من الجن نبي، وقال آخرون كمجاهد وغيره والذي روي عن ابن عباس: أن الرسل تكون من الإنس خاصة، وأما الجن يكون فيهم نُذُرٌ يُنْذِرُونَ كما في الآية فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ .
النبوة والرسالة تكون في الإنس، والجن إنما يكون فيهم نُذُرٌ، وأما قوله تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ فلا يلزم من ذلك أن يكون الرسل منهم وإنما أحدهما وهو الإنس كقوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ثم قال: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ وإنما يخرج اللؤلؤ من أحدهما، وهو المالح دون العذب.
وقال آخرون: لا مانع يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ظاهرها أنه يكون منهم الجن، أن يكون من الجن رسل. وقالوا: إن القول يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ليس بصحيح أنه اللؤلؤ والمرجان لا يكون بل قد يخرج من الحلو والله أعلم بالصواب.
وأما قول النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسل إلى كافة الورى إلى عموم الناس إلى يوم القيامة العرب والعجم هذه أدلة واضحة ولا شك في هذا.
من أنكر رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى عموم الناس أو قال: إن النبوة رسالة خاصة بالعرب فهو كافر قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وقال سبحانه: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا وقال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا وقال تعالى: وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ إلى يوم القيامة كل من بلغ، وقال سبحانه وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا .
وقال سبحانه: أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ جميعا عموما، وقال -صلى الله عليه وسلم- في حديث صحيح: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار هذه الأدلة تدل على عموم الرسالة.
القرآن كلام الله تعالى
القرآن كلام الله تعالى ليس بمخلوق
قال رحمه الله: وإن القرآن كلام الله.
نعم كمِّل !.
منه بدأ بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وَحْيًا، وصَدَّقَه المؤمنون على ذلك حقًّا، وأيقنوا على أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية فمَن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ . فلما أوعد الله بسقر لمن قال إن هذا إلا قول البشر علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر ولا يشبه قول البشر.
________________________________________
"وإن القرآن كلام الله" بالكسر معطوف على قوله: "نقول في توحيد الله بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، وإن محمد عبده المصطفى، وإن القرآن كلام الله" الكل معمول قول: نقول: إن الله واحد لا شريك له نقول في توحيد الله: "إن الله واحد لا شريك له، ونقول: إن محمدًا عبده المصطفى ورسوله" ونقول: "إن القرآن كلام الله".
القرآن كلام الله، صفة من صفاته، فالقرآن كلام الله -عز وجل- تكلم به وأنزله على نبيه وحيا، وليس بمخلوق كما يقول أهل البدع، وليس معنى قائم بالنفس بل هو كلام الله تكلم به بحرف وصوت يسمع سمعه جبرائيل، وكلم الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج، وسمع موسى كلام الله.
هذا هو الحق الذي عليه أتباع الرسل من أهل السنة والجماعة والصحابة والتابعين وأتباعهم: أن القرآن كلام الله، وأنه صفة من صفاته -عز وجل- وأن الله تكلم بحرف وصوت يسمع، وأنه ليس بمخلوق ككلام البشر؛ خلافا لأهل البدع، ومسألة الكلام مسألة عظيمة، وهي من المسائل الكبار المشهورة التي تنازع الناس فيها، وهي من الصفات العظيمة التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وأهل الحق وبين المخالفين لهم، ففي معنى كلام الله وحقيقة كلام الله مذاهب للناس، وهذه المسألة من المسائل العظام.
ولما كان النزاع فيها شديدا بين أهل السنة وأهل البدع؛ ولما كان الحق قد يلتبس بالباطل لكثرة من خاض في هذه المسألة؛ فلا بد من استعراض المذاهب في هذه المسألة وبيان القول الحق الذي تشهد له الأدلة والنصوص، وتشهد له العقول والفطر لا بد من بيان القول الحق الذي تقتضيه النصوص، وتشهد به العقول السليمة والفطر المستقيمة، والناس تنازعوا في كلام الله على مذاهب، لكن أبرز المذاهب في هذه المسألة ثمانية مذاهب هذه لأهل الأرض جميعا سبعة مذاهب باطلة، والمذهب الثامن هو قول الحق.
ومع كون هذه المذاهب الباطلة سبعا يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: هذه المذاهب السبعة هي الذائعة بين الناس وبين فضلاء العالم لا يعرفون غيرها مع بطلانها، وهذه المذاهب بعضها فكرية وبعضها مبتدعة.
المذهب الأول مذهب الاتحادية، المذهب الثاني مذهب الفلاسفة، المذهب الثالث مذهب السالمية، المذهب الرابع الكرامية، المذهب الخامس مذهب الكلابية، المذهب السادس مذهب الأشعرية، المذهب السابع مذهب الجهمية والمعتزلة، المذهب الثامن مذهب أهل السنة والجماعة، هذه أبرز المذاهب وهناك مذاهب أخرى لكن ليست مشهورة، لكن هذه أبرز المذاهب، مذاهب أهل الأرض جميعا في مسمى كلام الله ما هو ؟
المذهب الأول مذهب الاتحادية: والاتحادية هم الذين يقولون بوحدة الوجود وأن الوجود واحد يقولون: إن كلام الله كل كلام يسمع في الوجود فهو كلام الله، سواء كان حقا وصدقا أو كذبا وسواء، كان نظما أو نثرا سواء، كان حقا أو باطلا وزورا وبهتانا وسواء كان كلام الأعجميين، أو كأصوات الطيور، أو الحيوانات كله كلام الله، نعوذ بالله من ذلك.
كما قال زعيمهم ابن عربي الطائي رئيس وحدة الوجود:
ألا كل قول في الوجود كلامه ســواء علينـا نـثره ونظمـه
لكن موجود في كتابه "الفتوحات المكية"
ألا كل قول في الوجود كلامه ســواء علينـا نـثره ونظمـه
فإذا مذهب الاتحادية كل كلام يسمع في الوجود فهو كلامه سواء كان نظما أو نثرا، سواء كان حقا أو باطلا، وسواء كان كلام آدميين أو غيره.
وهذا المذهب مبني على مذهبهم في القول بوحدة الوجود؛ فإن مذهبهم أن الوجود واحد ليس هناك موجودات، ليس هناك رب وعبد ولا خالق ولا مخلوق، بل الوجود واحد الرب هو العبد والعبد هو الرب، والخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق لا فرق بينهم؛ ولهذا يقول ابن عربي الطائي:
الــرب عبــد والعبــد رب يـا ليـت شعري مَن المكلف
إن قلــت عبـد فـذاك ميـت أو قـلت رب أنَّـــى يُكَلَّف
إن ثبت عليه الأمر إذن العبد هو الرب، والرب هو العبد أيهما المكلف، إن قلت: عبد فذاك ميت وذاك نفي وإن قلت رب أنَّى يُكَلَّف وقال أيضا رب مالكٌ وعبد هالكٌ، وأنتم ذلك والعبد فقط والكثرة، وهم هؤلاء الاتحادية من أكثر خلق الله أكثر خلق الله هم الاتحادية وهم منافقون زنادقة يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر فهم في الدرك الأسفل من النار، نعوذ بالله من المنافق والمنافقون.
والله -تعالى- يقول: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وكل كفر، فجزاء مَن كَفَرَ النار، نسأل الله السلامة والعافية، ليس بعد هذا كفر ليس فوق هذا إنكار كامل لوجود الله فإذن مذهبهم في القول بوحدة الوجود مذهبهم في الكلام مبني على القول بوحدة الوجود وأصل هذا المذاهب نشأ من إنكار مسألة المباينة والعلو أنكروا علو الله على الخلق، وأنكروا مباينته لهذه المخلوقات، قالوا: ليس منفصلًا عنها ولا مبينا لها ولا فوقها وقرروا هذه القاعدة، وهذا الأصل.
فلما تقرر هذا عندهم وهو إنكار مباينة الله للمخلوقات، وإنكار العلو صاروا بين أمور ثلاثة: إما أن يقولوا: إنه معدوم لا وجود له، وهذا ما استساغوه؛ لأن الناس يكذبون، فقالوا: إن الله معدوم كذبوه، وهم منافقون زنادقة؛ لأن هؤلاء الاتحادية يظهرون الإسلام ويخفون الكفر؛ ويدعون الإسلام؛ ولهم مؤلفات تحقق وتنشر ككتاب "الدرة" وغيره تحقق ولهم مؤلفاتهم محققة توجد في كثير من الأقطار العربية وتطبع بورق ثقيل وخط واضح وتحقق.
وهناك من يدافع عن ابن عربي يدافع عنه ويقول: إنه معذور لا تظنوا أن هذا المذهب ما هو موجود مذهب الاتحادية؟ موجود ومنتشر وهناك رجل في السودان على عهد النميري الحاكم الأول يقال له العربي ادعى أن الله حَلَّ فيه، وقال: إنه هو الله والعياذ بالله فلا تظنون أن مذهب الاتحادية ما هو موجود، وهم من أكثر خلق الله بل أكثر خلق الله.
لهذا اقتضى العلماء لبيان هذا الكفر ويدعون أنهم أولياء الله وهم الخواص والعياذ بالله، هذا ابن العربي له مؤلفات وكتب "الفتوحات المكية" وله مؤلفات في الفقه فلا بد من بيان الشرح حتى لا ينطلي على بعض الناس، فلما أنكروا مباينته لخلقه وعلوه فصاروا بين واحد من ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن يقولوا بأن الله معدوم لا وجود له صراحة، وهذا ما استساغوه؛ لأن الناس يكشفون كفرهم؛ وهم زنادقة يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر فاستبعدوا هذا الأمر.
الأمر الثاني: أن يقولوا: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا مغاير له، ولا محايد له، ولا متصل به، ولا منفصل عنه كما قال الجهمية الذين نفوا عن الله النقيضين قالوا هذا أيضا ما استساغوا هذا القول، وقالوا هذا غير متصور ولا يمكن تصور هذا.
فاختاروا القول الثالث: وهو أن الله هو عين المخلوقات، فالخالق هو المخلوق والرب والعبد كل ما تروه هو الرب. قال ابن عربي: "سِرْ حيث شئت فإن الله ثَمَّ وقُل ما شئتَ به فالواسع الله، فكل شيء تراه هو الله، والله هو عين هذه المخلوقات، وهو عين هذه الموجودات". والشيء لا يحايد نفسه، ولا ينافيها فثبت عند هؤلاء الملاحدة أن الله عين هذه المخلوقات؛ فلما ثبت عندهم أن الله عين هذه المخلوقات، قالوا: إن كل كلام في الوجود هو كلامه سواء كان حسنا أو قبيحا، وسواء كان كفرا أو إيمانا، وكل اسم فهو له حسن أو قبيح، وكل صفة فهي له صفة نقص أو كمال، وهذا مذهب كفري شديد بل هم أعظم الناس كفرا، كفى أن يقال: يجرؤ عاقل أن يقول كل كلام يسمع في هذا الوجود كلام الله من الكفر والسب والشتم والغناء والباطل إلى غير ذلك.
وهؤلاء كفرة لا يؤمنون بالله ولا بملائكته ولا بكتبه ولا برسله ولا باليوم الآخر ولا بالقدر خيره وشره فهم أكثر الناس، نسأل الله السلامة والعافية، ومن فروع هذا المذهب أنهم يقولون: إن فرعون مصيب حينما قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى وكذلك عباد الأصنام والأوثان يكونون على الحق هم على الحق والصواب، وكل من عبد شيئا فهو مصيب من عبد النار فهو مصيب، من عبد الصنم فهو مصيب، ومن عبد النيران فهو مصيب، ومن عبد العجل فهو مصيب كلهم مصيبون، وإنما الكفر بالتخصيص لا تنهى أحدا عن شيء فإذا خصصت شيئا، وقلت: لا يجوز عبادة إلا هذا الشيء فهذا هو الكفر التخصيص.
وابن عربي له مُؤَلَف من مؤلفاته أنه يقول: إن فرعون مصيب حينما قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ويقول: إنه أُغْرِق لما أَغْرَقه الله لما أُغْرِق في البحر قال هذا الإغراق تطهير له الحسبان والوحي تطهير له؛ لأنه ظن أنه الرب وحده، وهذا غلط حينما قال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى كل واحد رب فلما حسب هذا الحسبان أغرق تطهيرا له، هذا هو الحسبان ويقول معارضة لكتاب الله إن موسى -عليه الصلاة والسلام- لما أخذ برأس هارون ولحيته حينما عبدوا العجل يقول أخذ برأسه ولحيته يقول لماذا تنهاهم عن العجل وهم على الصواب.
المؤلفات موجودة الآن، وهناك من يدافع عنها، نسأل الله السلامة والعافية، ومن فروع هذا المذهب أنه لا فرق بين الزنى والنكاح، ولا بين الخمر والماء، ولا بين الأم والأخت والأجنبية الكل واحد، ومن فروع هذا الأمر ضيقوا على الناس وبعدوا عليهم الأصول، والواقع وراء ذلك كله، نسأل الله السلامة والعافية.
فالمقصود أن هذا المذهب الكفري هو موجود موجودة مؤلفاته، نبه عليها العلماء، وهناك من يدعي أنهم على الصواب والاتحادية، وأنهم أولياء الله وهناك من يعتذر عنهم فلا بد أن يكون طالب العلم على حذر، وعلى إلمام بهذا المذهب الخبيث الذي هو أكفر مذهب في الأرض، نسأل الله السلامة والعافية، وبهذا القدر نكتفي لئلا نسترسل في الكلام، ونسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح، ونسأل الله للجميع السلامة والعافية من الفتن إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
س: أحسن الله إليكم يقول السائل: ما قول أهل السنة والجماعة في مسألة حياة الأنبياء في قبورهم أهي حياة حقيقية أم برزخية؟ وإذا قلنا: إنها حقيقية فهي حجة للصوفية الذين يدعون الأنبياء والصالحين ويتوسلون إليهم بالدعاء بحجة أنهم أحياء وإذا قلنا: إنها برزخية لم يكن ثمة فرق بينهم وبين سائر المؤمنين نرجوا توضيح ذلك؟ أفادكم الله.
ج: حياة الأنبياء حياة حقيقية برزخية؛ لكنها لا تشبه حياة الدنيا والروح لها تعلقات بالبدن تختلف فتعلق الروح بالبدن في الحياة الدنيا غير تعلقها به بالبرزخ، وغير تعلقها به في النوم، وغير تعلقها به في يوم القيامة، فالنائم روحه لها تعلق به. فالروح قد تذهب إلى مكان بعيد ولكنها قريبة، فإذا ضربت رجلك جاءت الروح بسرعة، وكما سيأتي في قصة موسى -عليه الصلاة والسلام- رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج ليلة أسري به قائما يصلي، ورآه في السماء السادسة فالروح سريعة فهي حياة برزخية حقيقية، لكنها ليست كحياة الدنيا، والرسول -صلى الله عليه وسلم- والأنبياء ميتون، ولا يقال: إنهم أحياء قال تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وهذه الحياة البرزخية لا تنافي أنهم ميتون، ولذلك من دعا الأموات فهو كافر، ولو كان الميت حي الحياة البرزخية أنت منهي أن تدعو الميت، ولو كان له حياة برزخية، ولا إشكال في هذا. نعم.
س:أحسن الله إليكم يقول السائل:
إن الله لا يفتقر لوجود خلقه فهو الكامل بذاته وصفاته سبحانه، وبما أن الصفات لا تنفك عن الذات فالفعل ممكن الحدوث فهو موصوف به، وإن لم يحدث في وقت من الأوقات فلماذا يصرف النص عن ظاهره في قوله -صلى الله عليه وسلم- كان الله وليس معه شيء أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-.
ج- السؤال يدل على عدم فهم السائل، الله تعالى متصف بفعله والفعل غير المفعول، والفعل وصفه -سبحانه وتعالى- قائم بذاته والمفعول المخلوق المنفصل فلا تخلط بين هذا وهذا، فالرب فعَّال صفة الفعل قائم بذاته، وهو غير المفعول المخلوق المنفصل المخلوق، السماوات والأرض مخلوقة لله، والخلق غير المخلوق والفعل غير المفعول فالخلق وصف الله، والفعل وصف الله، والمفعول المخلوق هو المفعول المنفصل، والله تعالى يوصف بأنه فعال، والمخلوقات منفعلة ليست هي الفعل وليست هي الخلق. نعم.
س- أحسن الله إليكم يقول السائل: هل يجوز القول: ولا يسأل عن الله متى كان؛ لأن الله هو خالق الزمان؟
ج- نعم الله -تعالى- هو أول كل شيء، أول لا بداية له كما أن آخريته لا نهاية لها. نعم.
س- أحسن الله إليكم يقول السائل: ما رأيكم بكتاب "عمر أمة الإسلام وظهور المهدي عليه السلام" وهو كتاب توصل فيه الباحث -وهو من جامعة عربية- إلى أن عُمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ما بين ألف وأربعمائة إلى ألف وخمسمائة سنة استنادا لبعض أحاديث الصحيحة والآثار عن علماء الإسلام الأولين كالسيوطي وغيره؟ حفظكم الله.
ج- ما رأيت الكتاب ولا قرأته، ولكن تحديد عمر الأمة تحديد باطل ليس هناك دليل، ولا أظن يثبت أن هناك تحديد بالسنين لكن الله -سبحانه وتعالى- جعل علامات للساعة وأشراط، وأشراط الساعة الكبار إذا ظهرت كلها فالساعة تعقبها فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا كما قال الله تعالى، أما التحديد بالمئات والآلاف فهذا لا دليل عليه ولا يثبت في هذا شيء. نعم.
س- أحسن الله إليكم: جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله عن موسى: لا أدري هل أفاق قبلي أو لا؟ أم كان ممن استثناه الله والسؤال من هم الذين استثناهم الله من الصاعقة.
ج- الصواب أن هذا وهم من بعض الرواة كما نبه على ذلك محققون من أهل العلم والحديث كاالعلامة ابن القيم وغيره وأن صواب الحديث: لا تفضلوني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فإذا موسى آخِذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدرى أفاق قبلي أم جُوزِيَ بصعقة يوم الطور .
وهذه الصعقة إنما هي صعقة في موقف القيامة، وسببها تجلي الله للخلائق لفصل القضاء حينما يتجلى الله لفصل القضاء خشية، ثم يفيقون فأول من يفيق النبي -صلى الله عليه وسلم- فيجد موسى قائما آخذ بقائمة العرش قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- فلا أدري هل موسى صعق فأفاق أم أنه لم يصعق مجازاة له بصعقة يوم الطور وعلى كل حال فهي مَنْقَبَة لموسى، ولكن الفضيلة الخاصة لا تدل على الفضل العام وإنما هي منقبة لموسى أنه لما يزول الصعق، ويفيق نبينا -صلى الله عليه وسلم- يجد موسى قاعدا، قال: ما أدري هل صعق فأفاق قبلي أم أنه لم يصعق مجازاة له بصعقة يوم الطور؟ .
أما رواية بعضهم فلا أدري أفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله فهذا وهم بعض الرواة؛ لأن الصعق ليس فيه استثناء، لماذا يستثنى، ليس استثناء في صعقة الموت، قال الله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ صعقة الموت حين ينفخ إسرافيل في آخر الدنيا، فيصعق الناس ويموتون ولكن هناك مَن يستثنه الله منها الأرواح لا تموت؛ لأنها باقية؛ وكذلك ما في الجنة من الحور وغيرها باقية هذا مما استثناهم الله.
أما صعقة التجلي فليس فيها؛ فالصواب أنها لمن ثبت في حديث البخاري استثناء ولكن هذه اللفظة رأى بعض الرواة ولا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثناهم الله صواب، وصواب الحديث ما جاء في الرواية أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور أما لفظة أفاق قبلي أم كان من الذين استثناهم الله وهم من بعض الرواة كما نبه على ذلك المحققون من أهل العلم والحديث؛ وذلك؛ لأن الصعقة في يوم القيامة التي سببها التجلي لفصل القضاء ما فيها استثناء كل الناس يصعقون إنما الاستثناء في الصعقة التي تكون في آخر الدنيا صعقة الموت، نعم. والله أعلم.
س- أحسن الله إليكم: ما معنى قول وهب بن منبه: "نظرت في القدر فتحيرت ونظرت فيه فتحيرت ووجدت أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه وأجهل الناس بالقدر أفقهم به" لا سيما وقد كثر خوض الطلاب في القدر بلا فائدة بعد الدرس في القدر.
ج- لسنا مكلفين بتفسير كلام وهب بن منبِّه، وهب بن منبِّه من العلماء التابعين ومنبه من العلماء الذين أسلموا من بني إسرائيل، قد يكون قوله صوابا، وقد يكون خطأ، ولسنا مُتَعَبَّدِين بأن نفسر كلامه، نعم فنحن نفسر كلام الله وكلام رسوله هذا من الصحة والقدر لا يجب للإنسان أن يخوض فيه، وكما سيأتي -إن شاء الله- في الطحاوية أن قول الطحاوي: "القدر سر الله في الخلق فمن سئل عن فعل فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين" سيأتي -إن شاء الله- لا نستعجل. نعم.
س-أحسن الله إليكم، هل النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل من السموات والأرض ومن ميكائيل وجبرائيل وأفضل من العرش والكرسي وأفضل من كل شيء ؟
ج- نعم ظاهر الأدلة أنه أفضل المخلوقات -صلى الله عليه وسلم- هذا وهو أفضل المرسلين، الصواب وأفضل الملائكة ومسألة تفضيل الأنبياء وتفضيل صالح البشر على الملائكة فيها كلام أهل العلم من العلماء، من قال: إن الأنبياء أفضل ومنهم من قال: إن الملائكة أفضل، ومنهم قال: إن صالح البشر أفضل.
شارح الطحاوية قال: "إن هذه المسألة من فضول الكلام، فالأولى تركها". لكن حقق شيخ الإسلام ابن تيمية هذه المسألة وقال: "إني كنت أظن هذه المسألة من بدع الكلام فتبين لي أنها مسألة أثرية صحابية سلفية، وحقق القول بأن الأنبياء وسائر الرسل أفضل من الملائكة لكن هذا عند كمال حالهم عند دخول الجنة، وإن كان حال الملائكة قد يكون في الدنيا أفضل، لكن في النهاية حال الأنبياء وصالح البشر أفضل". نعم.
س-أحسن الله إليكم في أي كتب السنة ورد لفظ أعطيت ستا -وفيها وختم بي النبيون فرواية الصحيحين أعطيت خمسا لم يعطهن غيري ولم يذكر فيها وختم بي النبيون
ج- أعطيت ست خصال أخرجها مسلم عن شرح الطحاوية فارجع إليها. نعم.
س-أحسن الله إليكم هل هناك فرق بين العارف والعالم عند الصوفية.
ج- الصوفية عندهم العارف من المعرفة والعلم، الله تعالى يوصف بالعلم لا بالمعرفة؛ وسيأتي كلام الطحاوي -رحمه الله- وذلك بأن الله ما هو إله معرفة وأن هذا منتقد. نعم.
س- يقول السائل: هل يجوز لنا أكل لحوم مَن يدعي وحدة الوجود.
ج- نعم التحريم لا غيبة إلا لفاسق إذا أظهر فسقه ليس له غيبة، فإذا ما رأيت إنسان يحلق لحيته، وقلت فلان يحلق لحيته هل تكون غيبة؟ لا فهو الذي فضح نفسه إذا المجاهر بالمعصية لا غيبة له، والمجاهر بالبدعة أعظم، والمجاهر بالكفر أعظم وأعظم، فالتحذير من البدع والمنكرات، والتحذير من الكفر ما يسمى غيبة، هذا نصح لله ولرسله، والنصيحة واجبة، التحذير من الكفر والبدع هذا ليس غيبة، والتحذير من الشر حتى إن الميت كما جاء في الحديث: لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا لا يسب الميت لكن إذا كان في التحذير من بدعة الميت مصلحة للأحياء نحذر من بدعته حتى لا يتضرر الأحياء. نعم.
س-هل يجوز لنا أكل لحوم ممَن يدعي وحدة الوجود؟
ج- إذا كانت لحوم تعني غيبتهم فقد سبق الجواب، هل يجوز أكل ذبيحتهم أما الذبائح فالكافر لا تصح ذبيحته أما اليهود والنصارى فَمُسْتَثْنَوْنَ، أهل الكتاب قال تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ هذا إذا عرفت أنهم يذبحون على الطريقة الشرعية أو جهلت الحال، أما إذا علمت أنه يذبح بالصعق أو بالكهرباء أو بالخنق هذا، لا تأكل أو يقول حين الذبح: باسم المسيح، فلا تأكل لكن إذا جهلت ما تدري فالأصل حلال للآية، وذلك؛ لأن اليهود وأهل الكتاب مستثنون فكفرهم أخف.
أما الوثنيون وأما المجوس وأما المنافقون فهؤلاء أعظم وأعظم هؤلاء ذبائحهم ولحومهم لا تحل.
س- توجد لدينا جامعة تابعة للصوفية تدرس أمورا كفرية، فما النصيحة التي تقدمونها لنا؟ وما الواجب علينا تجاه أصحابها ؟
ج- الواجب الابتعاد بأنفسكم فلا تدرسوا في هذه الجامعة، وأن تحذروا المسلمين من الدخول فيها تحذروا الناس، وتبينوا ضلالها، وتبينوا أن ما هم عليه كفر وضلال نصحا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. نعم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فإن مبحث الكلام مبحث عظيم، وهو من المسائل التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين المخالفين لهم كما سبق بيان ذلك، وقلنا: إن المسألة فيها ثمانية أقوال للناس في مسمى كلام الله عز وجل.
المذهب الأول مذهب الاتحادية: سبق الكلام عليه بالأمس، والمذهب الثاني مذهب الفلاسفة وأتباعهم، الفلاسفة المَشَّاءون ومن تبعهم من متكلم ومن متصوف كابن سينا والفارابي وابن عربي وغيرهم، الفلاسفة مذهبهم في كلام الله عز وجل أنه خيرٌ فَاضَ من العقل الفَعَّال على النفس الفاضلة الذكية فحصل لها تصورات وتصديقات لحصر ما قبلت منه فكلام الله ليس حرفا ولا صوت، ولكنه معانٍ تفيض على النفوس الفاضلة الذكية.
ويحصل لها تصورات وتصديقات بحسب ما قبلته من هذا الفيض، وهذا المذهب في الكلام مبني على مذهبهم في القول بقِدَم العالم، وأن العالم لازم لله أزلا وأبدا، فالفلاسفة يذهبون إلى أن العالم لازم لله لا ينفك عنه في الأزل، ولا في الأبد كلزوم الضوء للسراج فلا يقولون: إن العالم حادث بل يقولون: إن العالم قديم كقدم الله وهذا المعنى إنكار لوجود الله وأنه واجب الوجود بذاته وأنه الأول الذي ليس قبله شيء فَبَنَوْا على هذا الأصل، وهو القول بقِدَم العالم أن الكلام معنى يفيض على النفس الفاضلة الذكية فيحصل لها تصورات وتصديقات بحسب ما قبلت منه.
وأصل هذا أنهم لم يؤمنوا بالرب الذي أخبر عن نفسه أنه الأول، وليس قبله شيء، والذي عرف اسمه الرسل الفعال لما يريد المتصف بالصفات القادر على كل شيء المتكلم بقدرته ومشيئته؛ لما لم يؤمنوا بالرب -سبحانه وتعالى- الذي وصف نفسه وسماها بأسماء وصفات؛ لما لم يؤمنوا بذلك قالوا: إن العالم قديم، ثم إن الكلام فضل فاض من العقل الفعال.
وحقيقة هذا المذهب الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. فهم لم يؤمنوا برسله فهم كفرة ملاحدة؛ لأنهم لم يؤمنوا بالله ربا وإلها ومعبودا بالحق، وأنه الأول الذي ليس قبله شيء، وأنه الغني بذاته الذي لا يحتاج إلى أحد، وأن له الكمال في أسمائه وصفاته فلم يؤمنوا به بالرب ولا بالملائكة ولم يؤمنوا بالكتب المنزلة ولم يؤمنوا بالرسل، ولم يؤمنوا باليوم الآخر، ولا بالبعث والنشور، ولا بالجنة والنار، ولم يؤمنوا بالقدر فهم كفرة ملاحدة، نسأل الله السلامة والعافية.
وهم يلتقون مع الاتحادية الذين يقولون: الوجود واحد، العبد هو الرب، والرب هو العبد، وهؤلاء يقولون: إن العالم قديم ولازم للرب ولم يثبتوا ربا غنيا خالقا قادرا بمشيئته، وقالوا: إن الرب هو أول هذا العالم، وهو المحرك له، وهو العلة، وهو مبدأ هؤلاء الكفرة، وهو العلة الغائية لحركته هم بهذا يلتقون مع الاتحادية كلهم كفرة كلهم ملاحدة زنادقة، نسأل الله السلامة والعافية.
هذان المذهبان كفريان، ولكن العلماء يذكرون هذه المذاهب؛ لأن الملاحدة تستروا باسم الإسلام، وهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر والإلحاد، وكذلك الفلاسفة هناك من يظن من الناس أنهم على حق، وأنهم على صواب، وأنهم أهل علم، وأهل قواعد، وأصول فاغتر بهم كثير من الناس من أهل البدع، وظنوا أنهم على حق وصواب، هذان المذهبان كفريان.
المذهب الثالث: مذهب السالمية أتباع هشام بن سالم الجواليقي وتبعهم بعض أتباع الأئمة الأربعة أو بعض من ينتسب للحديث ذهبوا إلى أن كلام الله ألفاظ ومعاني وحروف وأصوات قديمة في الأزل لم تزل ولا تزال ولا يقولون: إن الكلام متعلق بقدرة الله ومشيئته بل يقولون: إن الكلام قديم ألفاظه ومعانيه، والحروف والأصوات وما دامت الألفاظ قديمة فالحروف التي تؤلف هذه الأصوات قديمة، وما دامت المعاني قديمة، فالحروف التي تتألف من هذه الألفاظ قديمة.
وهم يقولون: إن كلام الله نوعان نوع يصنع بواسطة ونوع يصنع بغير واسطة كما سُمِع بجبرائيل وبواسطة كما سَمِع محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- كلام الله بواسطة جبرائيل، لكن الكلام وإن كان لفظا ومعنى، وإن كان بحرف وصوت إلا أنه قديم لم يزل ولا يزال ولا يزال الرب يتكلم في القدم والأزل، وأيضا حروف الكلمات كلمات الرب مقترنة لا يسبق بعضها بعضا. الباء مع السين مع الميم كلها يتكلم بها للرب دفعة واحدة هكذا يقولون.
وقالوا: إن الحروف إنما تسمع متعاقبة بالنسبة لسمع الإنسان وإلا فالحروف مقترنة وشبهتهم في ذلك؛ لأن هذا المذاهب مبني على أن الكلام لا بد أن يقوم بمتكلم وأن الرب ليس محلا للحوادث قالوا: لو قلنا: إن كلام الرب متعلق بقدرته ومشيئته لصار محلا للحوادث لصار يحفظ الكلام في ذاته فلا أقول: إن الكلام متعلق بقدرته ومشيئته بل يقولون: إن الكلام قديم في الأزل لم يزل ولا يزال وإن كانت حروف وأصوات لم يزل الرب يتكلم في القدم والأزل، لكن لا يتعلق الكلام بقدرته ومشيئته متى شاء تكلم بل يقولون: إن الكلام قديم أزلي لا يزال الرب يتكلم الحروف مقترنة.
ولهذا يسمونهم بالأقرانية نسبة إلى الاقتران الذي ذكروا في الحروف، وأن الرب يتكلم بها دفعة واحدة الباء مع السين مع الميم ليست متعاقبة، تأتي السين بعد الياء قالوا لو قلنا: إن الحروف متعاقبة للزم ذلك أن يحدث الحرف الثاني في ذات الرب فيكون ذلك محل للحوادث، وهذا مذهب باطل.
وقولهم: إن الكلام ألفاظ ومعان وحروف وأصوات قائمة بذات الرب فهذا حق، لكن قولهم: إنه لا يتعلق بقدرته ومشيئته فهذا باطل، الرب لم يزل يتكلم الكلام قديم لكن ألفاظه لم تزل حادثة متعلق بمشيئته فهو يكلم جبريل ويكلم الملائكة ويكلم الأنبياء ويكلم الناس يوم القيامة، فالقول بأنه لا يتعلق بقدرته ومشيئته تعطيل للرب من الكمال وتنقص للرب.
فكذلك قولهم: إن الحروف مقترنة وأنه لا يسبق بعضها بعضا تخليط وهذيان مخالفٌ للحِسِّ، وما هو معلوم بالفطرة؛ لأن الكلمة إذا كانت مكونة من حرفين فلا يمكن للمتكلم أن يتكلم بالحرف الثاني إلا بعد الأول، ولا وجود للكلمة إلا بالتعاقب والقول بأنها غير متعاقبة تخليط وهذيان غير متصور، وقولهم: إنه يلزم من ذلك أن تحدث الحروف في ذات الرب، فهذا باطل؛ لأن هذا يلزم بالنسبة للمخلوق أما الخالق فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين؛ لأن الرب لا يشابه المخلوقين لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه.
المذهب الرابع مذهب الكلابية: أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب يرون أن كلام الرب معنى قائم بنفس الرب ليس بحرف ولا صوت أن كلام الرب معنى قائم بنفس الرب ليس بحرف ولا صوت ولا يسمع، وهو لازم لذاته كلزوم السمع والبصر والعلم فالكلام معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يسمع وهو لازم لذات الرب كلزوم الحياة والسمع وللبصر وهو أربع معانٍ في نفسه: الأمر والنهى والخبر والاستفهام.
وأما الحروف والأصوات فهذه الحكاية دالة على كلام الله وليست كلام الله وليس في المصحف كلام بزعمهم بل ما فيه إنما هو حروف وكلمات دالة على كلام الله، وليس هي كلام الله فكلامه الله في نفسه لا يسمع والحروف والأصوات حكاية دالة عليه، وهذا المذهب مبني بأن الكلام لا بد أن يقوم بالمتكلم، وعلى هذا أيضا أن الله ليس محلا الحوادث؛ لأنه لو كان حرفا وصوتا لكان محلا للحوادث ومرارا من ذلك قالوا ليس بحرف ولا صوت، وإنما هي حكاية دالة عليه.
ويُنَاقش هؤلاء الكلابية: أنتم تقولون: إن الحروف والأصوات حكاية عن كلام الله. فحكاية الشيء إنما تكون بالإتيان بمثل الشيء من غير زيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير تقول: حكيت الحديث بعينه تريد أن الرواية مطابقة للحديث من غير زيادة ولا نقص، والحروف والأصوات ليست مطابقة للمعنى القائم بنفس الرب فكيف يقال: إنها حكاية لكلام الله.
ثانيا: لو كانت الحروف والأصوات حكاية عن كلام الرب كما تزعمون فلزم من ذلك أن تكون صفات الله محكية، وله مثل وشبيه والله ليس له مثل ولا شبيه.
ثالثا: لو كانت الحروف والأصوات حكاية عن كلام الله، لكان الناس قد أتوا بكلام مثل كلام الله، وحينئذ يبطل تحديهم، وقد قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا وقال أيضا: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . [/size][/b][/b][/size]