قد اعتنى علماء التربية والتعليم في الكليات والمعاهد ومدارس تكوين المعلمين بقواعد التربية وعلم النفس اعتناء كبيرا، فكتبوا في ذلك كتبا كثيرة وأبحاثا جمة.
وإن مما يدعو للدهشة والاستغراب أنهم نقلوا فيها عن علماء التربية الغربية كل طارف وتالد، واقتبسوا أصولهم وفروعهم وتجاربهم وإذا كنا نقدر مدى أهمية الاستفادة من عمل الآخرين بعد تصفيته وغربلته مما يتعارض مع أصول التربية والتعليم كما رسمها القرآن الكريم، ومع مبادئنا وقيمنا الحضارية، فإن الذي نعيبه على كثير من علماء التربية وأساتذتها ومدرسيها هو تغافلهم، وعدم التفاتهم إلى ما يزخر به القرآن الكريم والسنة النبوية من دقائق علوم التربية والتعليم أصولا وفروعا.
قد اعتنى علماء التربية والتعليم في الكليات والمعاهد ومدارس تكوين المعلمين بقواعد التربية وعلم النفس اعتناء كبيرا، فكتبوا في ذلك كتبا كثيرة وأبحاثا جمة.
وإن مما يدعو للدهشة والاستغراب أنهم نقلوا فيها عن علماء التربية الغربية كل طارف وتالد، واقتبسوا أصولهم وفروعهم وتجاربهم وإذا كنا نقدر مدى أهمية الاستفادة من عمل الآخرين بعد تصفيته وغربلته مما يتعارض مع أصول التربية والتعليم كما رسمها القرآن الكريم، ومع مبادئنا وقيمنا الحضارية، فإن الذي نعيبه على كثير من علماء التربية وأساتذتها ومدرسيها هو تغافلهم، وعدم التفاتهم إلى ما يزخر به القرآن الكريم والسنة النبوية من دقائق علوم التربية والتعليم أصولا وفروعا.
القرآن الكريم حوى من ضروب المعرفة والقواعد الأخلاقية والأصول التربوية والتشريعية ما يجعلنا نستغنى به عن النظريات البشرية القاصرة ولتعلم غير المسلمين من المسلمين.
ومن ثم اتجهت إلى المصدر الأصلي لفنون التربية والتعليم والكتاب الأم لأصول التربية والتعليم فقد رسم معالمها الكبرى، وبينتها السنة، وكل من اتجه إلى هذا المصدر يجد ضالته ويدرك بغيته.
وقد أسعفني في هذا التوجه قول الإمام الشاطبي: «لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن في مسألة إلا وجد لها فيه أصلا» وشد من أزري قول الشيخ الشنقيطي: قد اشتمل كتاب الله علي كل شيء أما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل إلا وفي القرآن ما يدل عليها.
إن صفة منهج النبي (صلى الله عليه وسلم) في التربية والتعليم قد رسم القرآن الكريم معالمها الكبرى واستقل ببيانها وفصلتها السته النبوية.
قال تعالى- في بيان صفه صفه هذا المعلم وأصوله - في سورة البقرة: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}(البقرة:151).
وقال في سورة آل عمران {لقد من الله على المؤمنين إذا بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}.
فقد صرحت هذه الآيات بالمنهج العام لأصول التربية والتعليم الذي لا منهج سواه، والذي لا ينبغي أن يتغير أو يتبدل، وهو منهج أصيل يسعد الإنسان في دنياه وأخراه، لأن منزله هو الخالق لهذا الإنسان العليم بطبيعة تكوينه الخبير بدروب نفسه ومنحنياتها.
وبهذه الطريقة والأصول التربوية أنقذ الله هذه الأمة من الضلال المبين، ولا ينقذها مما هي فيه من الهوان إلا برجوعها إلى ذكرها الذي يرفع شأنها.
وقد ذكر الله في هذه الآيات التي استخرجنا منها أصولا تربوية وجوها من نعمه تعالى على عباده.
علم الخط والرسم
إن القرآن الكريم، وهو المصدر لأصول التربية والتعليم نفى أن يكون (صلى الله عليه وسلم) على دراية بعلم الخط ونفى عنه تلاوة أي كتاب قبل نزول القرآن، وكان هذا قطعا للارتياب ودفعا للشبهة، لو كان يكتب ويقرأ لقال المبطلون: إن هذا القرآن تعلمه وكتبه، فنفى عنه كل ذلك فقال: {وماكنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} (العنكبوت:48).
ولذلك وصفه الله في كتب الأولين ونعته بالأمي وهو وصف كمال في حقه قال تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} (الأعراف: 157).
علم التلاوة والترتيل
بدأت جميع الآيات القرآنية بهذا الأصل وهو التلاوة والترتيل وقد جاء ترتيب هذه الأصول في الذكر على حسب ترتيب وجودها لأن أول تبليغ الرسالة تلاوة القرآن، ثم يكون تعليم معانيه، ثم قال {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه. ثم إن علينا بيانه} (القيامة:18-19).
ثم العلم تحصل به التزكية، وهي العمل بإرشادات القرآن ، كما سيأتي.
أول صفات هذا المعلم أنه يتلو عليهم آياته: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته}، ومعناها القراءة المتتابعة المرتلة التي يكون بعضها تلو بعض والتلاوة المرتلة لا تخرج عن طباع العرب وكلام الفصحاء على وجه من وجوه القراءات.
وأصل التلاوة من الاتباع، ومنه قولهم: تلاه: إذا تبعه، وهي ذكر الكلمة بعد الكلمة على نظم تأليف القرآن وترتيبه ومنه قال تعالى: {والقمر إذا تلاها} (الشمس:2).
والتلاوة وحدها كافية لإقامة الحجة، فهي الحجة، وهو المحجة فلا يعذر أحد بعد التلاوة بالجهل، فالقرآن يقيم بالتلاوة الحجة القاطعة على الخلق قال تعالى في بيان ذلك: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا} (القصص:59)، ومثلها في قوله تعالى: {أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} (العنكبوت:51).
وهكذا يجب على طالب العلم أن يهتدي ويقتدي بهذا الأدب، وينصت ويستمع ويتأنى في تلقي العلم، وألا يحمله الحرص على مبادرة المعلم بالأخذ منه قبل فراغه من كلامه ويجب عليه أن يحاكيه في التلاوة بعد الاستماع له.
التجويد أصل كلام العرب
اشتهر عند الناس جميعا أن موضوع علم التجويد هو القرآن الكريم فقط، وزاد بعضهم الحديث الشريف، ثم يصححون قول الجمهور، وهو أن موضوع التجويد القرآن الكريم فقط لا غير.
وكل من ألف في علم التجويد يرددون هذا الادعاء حتى اشتهر عند جميع الناس واستقر في آذانهم أن مباحث علم التجويد لا تكون إلا في القرآن فقط وصار هذا من المسلمات .
وهذا تناقض عجيب وتنافر معيب وخطأ كبير، ووجه تناقضه أنه إذا كان علم التجويد موضوعه القرآن الكريم، فإن القرآن الكريم هو لب كلام العرب.
قال الراغب الأصفهاني: «فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء، والحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم...»، ثم قال: «وما عداها.. كالقشور» .
إذا كان- كما قالوا- التجويد موضوعه القرآن الكريم، والقرآن نزل بلسان عربي مبين، فإن النتيجة أن التجويد موضوعه لسان العرب.
قال تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} (يوسف:2)
وقال: {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} (النحل:103)، وقال: {نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين} (الشعراء: 195).
أثبتت هذه الآيات وغيرها أن القرآن نزل بلغات العرب، وحينئذ تكون مباحث علم التجويد وموضوعه لغات العرب.
تفسير القرآن وبيانه
تعليم الكتاب منصوص عليه في هذه الأصول في قوله تعالى: {ويعلمهم الكتاب} عطفا على قوله {يتلو عليهم آياته}، عطف جملة، وكما أن غاية علم الترتيل النطق الصحيح الفصيح لألفاظ القرآن الكريم، فإن غاية تعليم الكتاب وتفسيره وبيانه الفهم الصحيح لمعاني القرآن الكريم، ومن ثم عطف على التلاوة فكان ترتيبه في المحل الثاني في جميع الآيات القرآنية التي بنينا عليها هذه الأصول.
والارتباط بين هذا الأصل تعليم الكتاب، والأصل الذي عطف عليه وهو التلاوة واضح جلي، فلا يستقيم المعنى إلا إذا استقام اللفظ.
فمبنى الكلمة ومعناه مطلوبان ومتلازمان، ولا غنى لأحدهما عن الآخر، بل مبناها هو الأصل والأساس الذي يقوم عليه المعنى، بل لا وجود للمعنى إلا بإقامة المبنى، ومن ثم وجب تصحيح النطق بألفاظ القرآن أولا محافظة على المعنى ثم يجب علينا أن نفهم ونتفقه بعد التلاوة الصحيحة في المعنى الذي يحمله اللفظ.
فيكون المعنى أن هذا المعلم (صلى الله عليه وسلم) يتلو عليهم القرآن ويبين لهم معاني هذا الكتاب وما خفي عليهم من أسراره وأحكامه وحكمه وهذا من وظائفه (صلى الله عليه وسلم) أن يبين ويعلم معاني الكتاب {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل:44) فكان مبلغا لكتاب الله العزيز، ومبينا لأحكام القرآن الكريم، وموضحا لآياته البينات.
ومما لاشك فيه ولا خلاف عند جميع المسلمين أن القرآن الكريم حوى بين دفتيه أنواعا من العلوم والمعارف يعجز البشر عن الإتيان بمثلها، وتضمن أحكاما وحكما وأخبارا بها يحقق الإنسان سعادته في الدنيا والآخرة.
ولا سبيل إلى معرفة هذه العلوم، وهذا التشريع وهذه الهدايات والوقوف عليها والعمل بها، والاتعاظ بها إلا بفهم القرآن، وتفسيره وتدبره والتفقه فيه، والاستغناء به عن غيره. كيف يتعظ الإنسان بما لا يفهم، لأن ملكة الفهم دخلها الفساد، فصار الناس لا يفهمون القرآن، ولا يفقهون ما فيه، وبدون فهم للقرآن وتفسيره لا يمكن الوصول إلى كنوزه ومعارفه مهما رددنا تلاوته وأقمنا حروفه.
الناس لم يعودوا يتأثرون بالقرآن الكريم، كما كان الجيل الأول يتأثرون به فقد حالت بينهم وبينه غيوم كثيفة وحجب وموانع ومن أشدها كثافة عدم فقه اللغة العربية التي هي وعاؤه، لأن اللسان العربي وملكة البيان دخلها الفساد.
إن القرآن الكريم فيه الكفاية وزيادة على ذلك، فجميع العلوم الإسلامية قد استقل ببيانها، وقد أدرك هذا المعنى الإمام القرطبي- رحمه الله- فقال: «فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجميع علوم الشرع... رأيت أن أشتغل به مدى عمري وأستفرغ فيه قوتي».
وأضرب لذلك أمثلة واقعية لم يخالف فيها أحد على أننا نستطيع أن نستغنى بالقرآن الكريم عن جميع المقررات.
أولا: مقرر التوحيد
من أبرز العلوم التي يتعلمها الناس في تفسير القرآن الكريم هو علم العقيدة، وهي رأس العلوم الإسلامية وقد أخذت حيزا كبيرا من كتاب الله تعالى.
قال ابن القيم: «وغالب سور القرآن متضمنه لأنواع التوحيد، بل كل سورة في القرآن، فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته، وهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادة الله فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته» .
ثانيا: مقرر الحديث
وإذا انتقلنا إلى الحديث النبوي الشريف نجد أنه نوع من التفسير، فإنه المبين لمراد الله تعالى من الآية ويشهد بما شهد به القرآن، وهو التطبيق العملي لمعنى الآية النظري، فالطالب في تفسير القرآن يتعلم الحديث، وأضافه عبدالعظيم الزرقاني إلى علوم القرآن فقال: «إذا أضفت إلى علوم القرآن ما جاء في الحديث النبوي الشريف وعلومه وكتبه وبحوثه باعتبارها من علوم القرآن نظرا إلى أن الحديث شارح للقرآن يبين مبهماته ويفصل مجملاته ويخصص عامه».
ثالثا: مقرر الفقه
وإذا عرجنا إلى مادة الفقه، ومقرراته نجد أن مقرر الفقه يندرج في علم التفسير، وهو جزء ضئيل جدا من التفسير، ولا يزال هناك في القرآن فقه ضخم لا يعرف إلا في التفسير.
قال رشيد رضا: «الأحكام العملية التي جرى الاصطلاح على تسميتها فقها هي أقل ما جاء في القرآن، وأن ما بقي فيه من التهذيب والتربية والفقه والأخلاق والآداب والعلوم والمعارف ما لا يستغنى عنه، وما هو أجدر بالدخول في الفقه الحقيقي» .
ومن سلبيات عرض مادة الفقه بالطريقة المستقلة عن القرآن وتفسيره انها لا تؤدي الغرض المطلوب حيث يؤدي مدرس المادة عرضه بذكر المسألة والتعريف بها ثم بأقوال العلماء فيها ثم يورد الدليل من القرآن أو السنة أو هما معا، فيقول: دليل هذه المسألة كذا ودليل هذا القول كذا، ودليل المخالفين كذا ويسرد الدليل، هذا إذا كان يذكر الدليل، وهو أحسن أحواله.
تعليم الحكمة
الأصل الرابع من هذا المنهج الدراسي الكامل تعليم الحكمة فهي في المرتبة الرابعة بعد تعليم الكتابة والخط وتلاوة القرآن وتعليم الكتاب ثم تعليم الحكمة، فمن صفات هذا المعلم (صلى الله عليه وسلم) أنه يتلو عليهم الآيات القرآنية، ويعلمهم معاني الكتاب، وهو تفسيره وبيانه ثم يعلمهم الحكمة، وتأمل أخي هذا التركيب العجيب، وهذا الأسلوب البديع حيث أفرد لتلاوة الآيات فعلا، وهو {يتلو} وجاء بفعل آخر لتعليم الكتاب للدلالة على التباين بيهما، فان تعليم الكتاب غير التلاوة، فإن التلاوة تكون بقصد حفظ الحروف، وتعليم الكتاب يكون بقصد حفظ المعاني، وأشرك الحكمة في نسق التعليم بفعل واحد: {ويعلمهم} لأنها مربوطة بتعليم الكتاب، وتعلم كما يعلم الكتاب، فهما كالشيء الواحد، وحذف كل ذلك من التزكية لأن التزكية لا تعلم ولا تحفظ ولا تتلى، وإنما هي ثمرة من ثمرات التلاوة وتعليم الكتاب وتعليم الحكمة، فإذا لم تثمر هذه الأصول الدراسية التزكية فهي كالعدو فإنما هي محض سلوك وعمل يظهر بعد التلاوة وبعد تعليم الكتاب وبعد تعليم الحكمة.
ونحن الآن نقوم بعملنا هذا بتعليم التزكية كالصناعة والحرفة التي يحتاجها الإنسان، ويقوم بها عند الحاجة لتدر عليه نفعا ما.. هذه حالنا ورب حال أفصح من لسان. من صفات هذا المعلم أن يعلمهم الكتاب والحكمة كما تقدم في قوله تعالى: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم}.
والقرآن الكريم يبين لنا أن الله أنزل الحكمة كما أنزل القرآن، وأنها تتلى فقال: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} (النساء: 113).
وقال: {واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به} (البقرة:231).
وأمر الله أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يتذكروا ما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة فقال: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} (الأحزاب:34).
ودل الاستقراء والتتبع لكلمة «الحكمة» في القرآن الكريم أنها وردت في كتاب الله على نوعين: مفردة، ومقترنة بالكتاب.
أولا المفردة: فقد وقعت في تسعة مواضع، وقد فسرت بالنبوة، والفهم والقرآن وتفسير القرآن.
وفسرت الحكمة بعلوم القرآن وفقه ما فيه من علوم، ذكر ابن الجوزي أن من معاني الحكمة علوم القرآن.
ثانيا: الحكمة المقرونة بالكتاب
وكلمة الحكمة عادة تأتي بعد كتاب منزل، وجاءت في اختيارنا لهذه الأصول كلها مقترنة بالكتاب ومتصلة به، ومن ثم اشتركت الحكمة في نسق تعليم الكتاب: {ويعلمهم الكتاب والحكمة} وارتبطت به ارتباطا وثيقا فشاركت الكتاب في التعليم فيجب أن تعلم كما يعلم الكتاب.
واتفق علماء التفسير أن الحكمة المتصلة بالكتاب هي السنة وفسرها بذلك الحافظ ابن كثير وعزاه إلى غير واحد من السلف وهي ما أخذ عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) سوى القرآن: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» ومصداق ذلك في كتابه الكريم: {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى. علمه شديد القوى} (النجم:3- 5).
وإن مما يدعو للدهشة والاستغراب أنهم نقلوا فيها عن علماء التربية الغربية كل طارف وتالد، واقتبسوا أصولهم وفروعهم وتجاربهم وإذا كنا نقدر مدى أهمية الاستفادة من عمل الآخرين بعد تصفيته وغربلته مما يتعارض مع أصول التربية والتعليم كما رسمها القرآن الكريم، ومع مبادئنا وقيمنا الحضارية، فإن الذي نعيبه على كثير من علماء التربية وأساتذتها ومدرسيها هو تغافلهم، وعدم التفاتهم إلى ما يزخر به القرآن الكريم والسنة النبوية من دقائق علوم التربية والتعليم أصولا وفروعا.
قد اعتنى علماء التربية والتعليم في الكليات والمعاهد ومدارس تكوين المعلمين بقواعد التربية وعلم النفس اعتناء كبيرا، فكتبوا في ذلك كتبا كثيرة وأبحاثا جمة.
وإن مما يدعو للدهشة والاستغراب أنهم نقلوا فيها عن علماء التربية الغربية كل طارف وتالد، واقتبسوا أصولهم وفروعهم وتجاربهم وإذا كنا نقدر مدى أهمية الاستفادة من عمل الآخرين بعد تصفيته وغربلته مما يتعارض مع أصول التربية والتعليم كما رسمها القرآن الكريم، ومع مبادئنا وقيمنا الحضارية، فإن الذي نعيبه على كثير من علماء التربية وأساتذتها ومدرسيها هو تغافلهم، وعدم التفاتهم إلى ما يزخر به القرآن الكريم والسنة النبوية من دقائق علوم التربية والتعليم أصولا وفروعا.
القرآن الكريم حوى من ضروب المعرفة والقواعد الأخلاقية والأصول التربوية والتشريعية ما يجعلنا نستغنى به عن النظريات البشرية القاصرة ولتعلم غير المسلمين من المسلمين.
ومن ثم اتجهت إلى المصدر الأصلي لفنون التربية والتعليم والكتاب الأم لأصول التربية والتعليم فقد رسم معالمها الكبرى، وبينتها السنة، وكل من اتجه إلى هذا المصدر يجد ضالته ويدرك بغيته.
وقد أسعفني في هذا التوجه قول الإمام الشاطبي: «لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن في مسألة إلا وجد لها فيه أصلا» وشد من أزري قول الشيخ الشنقيطي: قد اشتمل كتاب الله علي كل شيء أما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل إلا وفي القرآن ما يدل عليها.
إن صفة منهج النبي (صلى الله عليه وسلم) في التربية والتعليم قد رسم القرآن الكريم معالمها الكبرى واستقل ببيانها وفصلتها السته النبوية.
قال تعالى- في بيان صفه صفه هذا المعلم وأصوله - في سورة البقرة: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}(البقرة:151).
وقال في سورة آل عمران {لقد من الله على المؤمنين إذا بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}.
فقد صرحت هذه الآيات بالمنهج العام لأصول التربية والتعليم الذي لا منهج سواه، والذي لا ينبغي أن يتغير أو يتبدل، وهو منهج أصيل يسعد الإنسان في دنياه وأخراه، لأن منزله هو الخالق لهذا الإنسان العليم بطبيعة تكوينه الخبير بدروب نفسه ومنحنياتها.
وبهذه الطريقة والأصول التربوية أنقذ الله هذه الأمة من الضلال المبين، ولا ينقذها مما هي فيه من الهوان إلا برجوعها إلى ذكرها الذي يرفع شأنها.
وقد ذكر الله في هذه الآيات التي استخرجنا منها أصولا تربوية وجوها من نعمه تعالى على عباده.
علم الخط والرسم
إن القرآن الكريم، وهو المصدر لأصول التربية والتعليم نفى أن يكون (صلى الله عليه وسلم) على دراية بعلم الخط ونفى عنه تلاوة أي كتاب قبل نزول القرآن، وكان هذا قطعا للارتياب ودفعا للشبهة، لو كان يكتب ويقرأ لقال المبطلون: إن هذا القرآن تعلمه وكتبه، فنفى عنه كل ذلك فقال: {وماكنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} (العنكبوت:48).
ولذلك وصفه الله في كتب الأولين ونعته بالأمي وهو وصف كمال في حقه قال تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} (الأعراف: 157).
علم التلاوة والترتيل
بدأت جميع الآيات القرآنية بهذا الأصل وهو التلاوة والترتيل وقد جاء ترتيب هذه الأصول في الذكر على حسب ترتيب وجودها لأن أول تبليغ الرسالة تلاوة القرآن، ثم يكون تعليم معانيه، ثم قال {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه. ثم إن علينا بيانه} (القيامة:18-19).
ثم العلم تحصل به التزكية، وهي العمل بإرشادات القرآن ، كما سيأتي.
أول صفات هذا المعلم أنه يتلو عليهم آياته: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته}، ومعناها القراءة المتتابعة المرتلة التي يكون بعضها تلو بعض والتلاوة المرتلة لا تخرج عن طباع العرب وكلام الفصحاء على وجه من وجوه القراءات.
وأصل التلاوة من الاتباع، ومنه قولهم: تلاه: إذا تبعه، وهي ذكر الكلمة بعد الكلمة على نظم تأليف القرآن وترتيبه ومنه قال تعالى: {والقمر إذا تلاها} (الشمس:2).
والتلاوة وحدها كافية لإقامة الحجة، فهي الحجة، وهو المحجة فلا يعذر أحد بعد التلاوة بالجهل، فالقرآن يقيم بالتلاوة الحجة القاطعة على الخلق قال تعالى في بيان ذلك: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا} (القصص:59)، ومثلها في قوله تعالى: {أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} (العنكبوت:51).
وهكذا يجب على طالب العلم أن يهتدي ويقتدي بهذا الأدب، وينصت ويستمع ويتأنى في تلقي العلم، وألا يحمله الحرص على مبادرة المعلم بالأخذ منه قبل فراغه من كلامه ويجب عليه أن يحاكيه في التلاوة بعد الاستماع له.
التجويد أصل كلام العرب
اشتهر عند الناس جميعا أن موضوع علم التجويد هو القرآن الكريم فقط، وزاد بعضهم الحديث الشريف، ثم يصححون قول الجمهور، وهو أن موضوع التجويد القرآن الكريم فقط لا غير.
وكل من ألف في علم التجويد يرددون هذا الادعاء حتى اشتهر عند جميع الناس واستقر في آذانهم أن مباحث علم التجويد لا تكون إلا في القرآن فقط وصار هذا من المسلمات .
وهذا تناقض عجيب وتنافر معيب وخطأ كبير، ووجه تناقضه أنه إذا كان علم التجويد موضوعه القرآن الكريم، فإن القرآن الكريم هو لب كلام العرب.
قال الراغب الأصفهاني: «فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء، والحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم...»، ثم قال: «وما عداها.. كالقشور» .
إذا كان- كما قالوا- التجويد موضوعه القرآن الكريم، والقرآن نزل بلسان عربي مبين، فإن النتيجة أن التجويد موضوعه لسان العرب.
قال تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} (يوسف:2)
وقال: {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} (النحل:103)، وقال: {نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين} (الشعراء: 195).
أثبتت هذه الآيات وغيرها أن القرآن نزل بلغات العرب، وحينئذ تكون مباحث علم التجويد وموضوعه لغات العرب.
تفسير القرآن وبيانه
تعليم الكتاب منصوص عليه في هذه الأصول في قوله تعالى: {ويعلمهم الكتاب} عطفا على قوله {يتلو عليهم آياته}، عطف جملة، وكما أن غاية علم الترتيل النطق الصحيح الفصيح لألفاظ القرآن الكريم، فإن غاية تعليم الكتاب وتفسيره وبيانه الفهم الصحيح لمعاني القرآن الكريم، ومن ثم عطف على التلاوة فكان ترتيبه في المحل الثاني في جميع الآيات القرآنية التي بنينا عليها هذه الأصول.
والارتباط بين هذا الأصل تعليم الكتاب، والأصل الذي عطف عليه وهو التلاوة واضح جلي، فلا يستقيم المعنى إلا إذا استقام اللفظ.
فمبنى الكلمة ومعناه مطلوبان ومتلازمان، ولا غنى لأحدهما عن الآخر، بل مبناها هو الأصل والأساس الذي يقوم عليه المعنى، بل لا وجود للمعنى إلا بإقامة المبنى، ومن ثم وجب تصحيح النطق بألفاظ القرآن أولا محافظة على المعنى ثم يجب علينا أن نفهم ونتفقه بعد التلاوة الصحيحة في المعنى الذي يحمله اللفظ.
فيكون المعنى أن هذا المعلم (صلى الله عليه وسلم) يتلو عليهم القرآن ويبين لهم معاني هذا الكتاب وما خفي عليهم من أسراره وأحكامه وحكمه وهذا من وظائفه (صلى الله عليه وسلم) أن يبين ويعلم معاني الكتاب {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل:44) فكان مبلغا لكتاب الله العزيز، ومبينا لأحكام القرآن الكريم، وموضحا لآياته البينات.
ومما لاشك فيه ولا خلاف عند جميع المسلمين أن القرآن الكريم حوى بين دفتيه أنواعا من العلوم والمعارف يعجز البشر عن الإتيان بمثلها، وتضمن أحكاما وحكما وأخبارا بها يحقق الإنسان سعادته في الدنيا والآخرة.
ولا سبيل إلى معرفة هذه العلوم، وهذا التشريع وهذه الهدايات والوقوف عليها والعمل بها، والاتعاظ بها إلا بفهم القرآن، وتفسيره وتدبره والتفقه فيه، والاستغناء به عن غيره. كيف يتعظ الإنسان بما لا يفهم، لأن ملكة الفهم دخلها الفساد، فصار الناس لا يفهمون القرآن، ولا يفقهون ما فيه، وبدون فهم للقرآن وتفسيره لا يمكن الوصول إلى كنوزه ومعارفه مهما رددنا تلاوته وأقمنا حروفه.
الناس لم يعودوا يتأثرون بالقرآن الكريم، كما كان الجيل الأول يتأثرون به فقد حالت بينهم وبينه غيوم كثيفة وحجب وموانع ومن أشدها كثافة عدم فقه اللغة العربية التي هي وعاؤه، لأن اللسان العربي وملكة البيان دخلها الفساد.
إن القرآن الكريم فيه الكفاية وزيادة على ذلك، فجميع العلوم الإسلامية قد استقل ببيانها، وقد أدرك هذا المعنى الإمام القرطبي- رحمه الله- فقال: «فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجميع علوم الشرع... رأيت أن أشتغل به مدى عمري وأستفرغ فيه قوتي».
وأضرب لذلك أمثلة واقعية لم يخالف فيها أحد على أننا نستطيع أن نستغنى بالقرآن الكريم عن جميع المقررات.
أولا: مقرر التوحيد
من أبرز العلوم التي يتعلمها الناس في تفسير القرآن الكريم هو علم العقيدة، وهي رأس العلوم الإسلامية وقد أخذت حيزا كبيرا من كتاب الله تعالى.
قال ابن القيم: «وغالب سور القرآن متضمنه لأنواع التوحيد، بل كل سورة في القرآن، فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته، وهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادة الله فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته» .
ثانيا: مقرر الحديث
وإذا انتقلنا إلى الحديث النبوي الشريف نجد أنه نوع من التفسير، فإنه المبين لمراد الله تعالى من الآية ويشهد بما شهد به القرآن، وهو التطبيق العملي لمعنى الآية النظري، فالطالب في تفسير القرآن يتعلم الحديث، وأضافه عبدالعظيم الزرقاني إلى علوم القرآن فقال: «إذا أضفت إلى علوم القرآن ما جاء في الحديث النبوي الشريف وعلومه وكتبه وبحوثه باعتبارها من علوم القرآن نظرا إلى أن الحديث شارح للقرآن يبين مبهماته ويفصل مجملاته ويخصص عامه».
ثالثا: مقرر الفقه
وإذا عرجنا إلى مادة الفقه، ومقرراته نجد أن مقرر الفقه يندرج في علم التفسير، وهو جزء ضئيل جدا من التفسير، ولا يزال هناك في القرآن فقه ضخم لا يعرف إلا في التفسير.
قال رشيد رضا: «الأحكام العملية التي جرى الاصطلاح على تسميتها فقها هي أقل ما جاء في القرآن، وأن ما بقي فيه من التهذيب والتربية والفقه والأخلاق والآداب والعلوم والمعارف ما لا يستغنى عنه، وما هو أجدر بالدخول في الفقه الحقيقي» .
ومن سلبيات عرض مادة الفقه بالطريقة المستقلة عن القرآن وتفسيره انها لا تؤدي الغرض المطلوب حيث يؤدي مدرس المادة عرضه بذكر المسألة والتعريف بها ثم بأقوال العلماء فيها ثم يورد الدليل من القرآن أو السنة أو هما معا، فيقول: دليل هذه المسألة كذا ودليل هذا القول كذا، ودليل المخالفين كذا ويسرد الدليل، هذا إذا كان يذكر الدليل، وهو أحسن أحواله.
تعليم الحكمة
الأصل الرابع من هذا المنهج الدراسي الكامل تعليم الحكمة فهي في المرتبة الرابعة بعد تعليم الكتابة والخط وتلاوة القرآن وتعليم الكتاب ثم تعليم الحكمة، فمن صفات هذا المعلم (صلى الله عليه وسلم) أنه يتلو عليهم الآيات القرآنية، ويعلمهم معاني الكتاب، وهو تفسيره وبيانه ثم يعلمهم الحكمة، وتأمل أخي هذا التركيب العجيب، وهذا الأسلوب البديع حيث أفرد لتلاوة الآيات فعلا، وهو {يتلو} وجاء بفعل آخر لتعليم الكتاب للدلالة على التباين بيهما، فان تعليم الكتاب غير التلاوة، فإن التلاوة تكون بقصد حفظ الحروف، وتعليم الكتاب يكون بقصد حفظ المعاني، وأشرك الحكمة في نسق التعليم بفعل واحد: {ويعلمهم} لأنها مربوطة بتعليم الكتاب، وتعلم كما يعلم الكتاب، فهما كالشيء الواحد، وحذف كل ذلك من التزكية لأن التزكية لا تعلم ولا تحفظ ولا تتلى، وإنما هي ثمرة من ثمرات التلاوة وتعليم الكتاب وتعليم الحكمة، فإذا لم تثمر هذه الأصول الدراسية التزكية فهي كالعدو فإنما هي محض سلوك وعمل يظهر بعد التلاوة وبعد تعليم الكتاب وبعد تعليم الحكمة.
ونحن الآن نقوم بعملنا هذا بتعليم التزكية كالصناعة والحرفة التي يحتاجها الإنسان، ويقوم بها عند الحاجة لتدر عليه نفعا ما.. هذه حالنا ورب حال أفصح من لسان. من صفات هذا المعلم أن يعلمهم الكتاب والحكمة كما تقدم في قوله تعالى: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم}.
والقرآن الكريم يبين لنا أن الله أنزل الحكمة كما أنزل القرآن، وأنها تتلى فقال: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} (النساء: 113).
وقال: {واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به} (البقرة:231).
وأمر الله أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يتذكروا ما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة فقال: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} (الأحزاب:34).
ودل الاستقراء والتتبع لكلمة «الحكمة» في القرآن الكريم أنها وردت في كتاب الله على نوعين: مفردة، ومقترنة بالكتاب.
أولا المفردة: فقد وقعت في تسعة مواضع، وقد فسرت بالنبوة، والفهم والقرآن وتفسير القرآن.
وفسرت الحكمة بعلوم القرآن وفقه ما فيه من علوم، ذكر ابن الجوزي أن من معاني الحكمة علوم القرآن.
ثانيا: الحكمة المقرونة بالكتاب
وكلمة الحكمة عادة تأتي بعد كتاب منزل، وجاءت في اختيارنا لهذه الأصول كلها مقترنة بالكتاب ومتصلة به، ومن ثم اشتركت الحكمة في نسق تعليم الكتاب: {ويعلمهم الكتاب والحكمة} وارتبطت به ارتباطا وثيقا فشاركت الكتاب في التعليم فيجب أن تعلم كما يعلم الكتاب.
واتفق علماء التفسير أن الحكمة المتصلة بالكتاب هي السنة وفسرها بذلك الحافظ ابن كثير وعزاه إلى غير واحد من السلف وهي ما أخذ عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) سوى القرآن: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» ومصداق ذلك في كتابه الكريم: {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى. علمه شديد القوى} (النجم:3- 5).