يشكل كتاب «مقومات الشخصية المسلمة أو الإنسان الصالح»، للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، الخطوات الأولى أو المتخصصة على طريق الفكر التربوي المتخصص الطويل بعد مرحلة التعبئة واسترداد الذات، ويُعرِّف الدكتور الكيلاني العمل الصالح بأنه الترجمة العملية التطبيقية الأكمل للعلاقات التي حددتها فلسفة التربية الإسلامية بين الإنسان والخالق والكون والحياة والإنسان والآخرة.
والعمل الصالح الذي هو سمة الفرد الصالح هو ثمرة عدد معين من العمليات التربوية التي تتكامل حسب نسق معين. أما عن أحكام تربية مكونات العمل الصالح فهي كما يرى الكاتب تشمل أحكام تربية القدرات العقلية «وظيفة العقل» وقد رسم القرآن الكريم الإطار العام للقدرات العقلية ولم يدخل في تفاصيلها جريًا على طريقته في الإشارة إلى ميدان العلم والمعرفة، ثم الطلب إلى الإنسان ليقوم بدوره في هذا الميدان {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ} [الروم/8].
والإشارة التي وردت في القرآن تدل على أن القدرات العقلية درجات متفاوتة، وأن لكل درجة وظيفتها وأثرها في سلوك الإنسان ومواقفه، ثم يفصل الكاتب هذه الأمور الرئيسة التي يجب على التربية الإسلامية وهي تمارس وظيفة العقل أن تركز عليها، ويرى أن لوقوف المؤسسات التربوية الإسلامية قديمًا وحديثًا في تربية القدرات العقلية عند القدرة على الحفظ أو الاستظهار يفرز آثارًا سلبية، أهمها:
أولاً: يلاحظ على الإنسان العربي والمسلم أنه يستطيع أن يروي ويخطب ولكنه لا يستطيع أن يناقش أو يحلل أو يطبق أو يتوصل إلى حل؛ لأن الرواية والخطبة ترتبطان بالقدرة على الحفظ، أما النقاش والتحليل والتطبيق والتأليف فهو يتطلب قدرات عقلية عُلْيا من الفهم والتحليل.
ثانيًا: الإرادة السليمة هي ثمرة القدرات العقلية ومنهج التفكير السليم إلى جانب المثل الأعلى، ولكن الذي يحدث في المؤسسات التربوية المعاصرة أن المعادلة في الواقع تتشكل كما يلي:
قدرة على الحفظ + مَثَل أعلى = إرادة متهورة «تَعَصُّب»، وذلك يؤدي إلى العقم الإرادي والاغتراب عن مثل الماضي والحاضر والإحساس بالنقص إزاءهما.
ثالثًا: القدرة التسخيرية هي ثمرة وظيفة العقل + الخبرات ولكن الذي يحدث في مؤسساتنا التربوية المعاصرة هي أن المعادلة تتشكل كما يلي: قدرة على الحفظ + الخبرات = قدرة غير تسخيرية، أي: أنها تؤدي إلى ظاهرة العقم العقلي وعدم الاستفادة من الخبرات العلمية والاجتماعية والدينية.
وعن المَثل الأعلى وأهميته وعلاقته بالتربية الإسلامية يقول الكاتب: المثل الأعلى في التربية الإسلامية يعني نموذج الحياة التي يراد للفرد المسلم أن يحياها، وللأمة المسلمة أن تعيش طبقًا لها، ومثل – المثل الأعلى – مثل النموذج أو المخطط الذي يصممه مهندس البناء أو مهندس الآلات، ثم يدفعه لمن يحيله إلى واقع ملموس طبقًا لقوانين البناء أو قوانين الآلات..
ويقرر القرآن الكريم أن اللَّـه وحده هو الخالق المصمم للإنسان، ولذلك فهو الخبير الحقيقي بتخطيط النموذج أو المثل الأعلى لصورة الإنسان الصالح المُصلِح، وأنه لا يمكن أن يشاركه تعالى أحد في تحديد المثل الأعلى في الاعتقاد والتطبيقات العملية: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم/27].
وحين يتنكر البشر المخلوقون للمثل الأعلى الذي جاءت به الرسالة ويحاولون أن يضعوا للحياة البشرية مثلاً أعلى في الاعتقاد والسلوك فإنهم يصنعون نماذج سيئة ضارة أو مثل سوء: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل/60].
ثم يبين الدور الذي تقوم به التربية الإسلامية في تنشئة الفرد على حب المثل الأعلى وتجسيده في حياته، وهذا يتكون من فصلين اثنين:
الأول: بلورة المحتوى الفكري للمثل الأعلى ثم ترجمة هذا المحتوى في تطبيقات عملية.
والثاني: هو عرض المحتوى المذكور وتهيئة المواقف والوسائل اللازمة لممارسة التطبيقات الممثلة له.
ثم يتحدث الكاتب عن تنمية الخبرات الدينية والاجتماعية والكونية عند الفرد موضحًا معنى الخبرة وأهميتها وحدود الخبرة ودوائرها، والخبرات الكونية والاجتماعية في المؤسسات التربوية العربية والإسلامية المعاصرة، مقارنًا ذلك بالخبرات في التربية الحديثة المعاصرة. أما عن تربية الإرادة عند الفرد فيوضح معنى الإرادة ووظيفتها ومستوياتها، ثم كيف تنمو الإرادة وتنضج، وكيف تضعف وتفقد، وتعد الإرادة هي المركب الأول للعمل الصالح الذي هو السمة المميزة للفرد الذي تستهدف التربية الإسلامية إعداده. يأتي المركب الثاني للعمل الصالح ممثلاً في القدرة التسخيرية، وهي تعني القدرة على اكتشاف قوانين الخلق في الكون والنفس، واستثمارها في تطبيقات نافعة لبقاء النوع البشري ورقيه.
وفي نهاية هذا البحث الموجز والرائع يقدم لنا الكاتب مظاهر أزمة تربية الفرد في المؤسسات التربوية القائمة في الأقطار العربية والإسلامية، فقديمًا انحسر مفهوم العمل الصالح وحصر في ميادين العبادة الأخلاق الفردية وغموض نموذج المثل الأعلى، وحديثًا حصر مفهوم العمل الصالح في القدرات والمهارات المادية واضطراب مفهوم المثل الأعلى، ثم يطرح الكاتب سؤالاً هو:
كيف يمكن تحويل التصورات النظرية التي تحدث عنها البحث إلى تطبيقات عملية تمكن المدرسة الإسلامية من تحويل الطموح المؤمل إلى واقع ملموس؟
يرى الكاتب أنه لتحقيق ذلك لا بد من وجود مؤسسة تنظير أو اجتهاد تربوي، ثم إقامة مختبر للتطبيقات التربوية وتوفير فرص التكامل التربوية؛ لأن هذا التكامل يوفر للمؤسستين تقويم الأعمال وتعديل الأفكار والممارسات، وتطوير البرامج والخطط ثم مراعاة قدرات الحكمة النظرية والعملية ومتطلبات التخصص الدقيق الذي يرتقي إلى رتبة الاجتهاد التربوي في الأفراد العاملين في كُلٍّ من مؤسسة التنظير التربوي والتطبيقات التربوية ثم توفير الفرصة كاملة للمؤسسة التربوية المقترحة للاطلاع على ما يجري في حارات قرية الكرة الأرضية من تجارب تربوية من التنظير والتطبيق؛ بغية الوقوف على المؤثرات المختلفة والمتجددة التي تعمل عملها في شخصية الفرد المسلم والمجتمع، فتشكل أفكار الأول وأعماله، وتسهم في صياغة قيم الثاني ونشاطاته، وهذا الاطلاع شرط أساسي لنجاح مؤسستي التنظير التربوي والتطبيقات التربوية المقترحتين، وهو مظهر الشهود الذي جعله القرآن الكريم أول صفات الرسول المربي الذي أرسل ليضع مسيرة البشرية على أعتاب طور العالمية والبحث العلمي في آيات الآفاق والأنفس: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب/45].
والعمل الصالح الذي هو سمة الفرد الصالح هو ثمرة عدد معين من العمليات التربوية التي تتكامل حسب نسق معين. أما عن أحكام تربية مكونات العمل الصالح فهي كما يرى الكاتب تشمل أحكام تربية القدرات العقلية «وظيفة العقل» وقد رسم القرآن الكريم الإطار العام للقدرات العقلية ولم يدخل في تفاصيلها جريًا على طريقته في الإشارة إلى ميدان العلم والمعرفة، ثم الطلب إلى الإنسان ليقوم بدوره في هذا الميدان {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ} [الروم/8].
والإشارة التي وردت في القرآن تدل على أن القدرات العقلية درجات متفاوتة، وأن لكل درجة وظيفتها وأثرها في سلوك الإنسان ومواقفه، ثم يفصل الكاتب هذه الأمور الرئيسة التي يجب على التربية الإسلامية وهي تمارس وظيفة العقل أن تركز عليها، ويرى أن لوقوف المؤسسات التربوية الإسلامية قديمًا وحديثًا في تربية القدرات العقلية عند القدرة على الحفظ أو الاستظهار يفرز آثارًا سلبية، أهمها:
أولاً: يلاحظ على الإنسان العربي والمسلم أنه يستطيع أن يروي ويخطب ولكنه لا يستطيع أن يناقش أو يحلل أو يطبق أو يتوصل إلى حل؛ لأن الرواية والخطبة ترتبطان بالقدرة على الحفظ، أما النقاش والتحليل والتطبيق والتأليف فهو يتطلب قدرات عقلية عُلْيا من الفهم والتحليل.
ثانيًا: الإرادة السليمة هي ثمرة القدرات العقلية ومنهج التفكير السليم إلى جانب المثل الأعلى، ولكن الذي يحدث في المؤسسات التربوية المعاصرة أن المعادلة في الواقع تتشكل كما يلي:
قدرة على الحفظ + مَثَل أعلى = إرادة متهورة «تَعَصُّب»، وذلك يؤدي إلى العقم الإرادي والاغتراب عن مثل الماضي والحاضر والإحساس بالنقص إزاءهما.
ثالثًا: القدرة التسخيرية هي ثمرة وظيفة العقل + الخبرات ولكن الذي يحدث في مؤسساتنا التربوية المعاصرة هي أن المعادلة تتشكل كما يلي: قدرة على الحفظ + الخبرات = قدرة غير تسخيرية، أي: أنها تؤدي إلى ظاهرة العقم العقلي وعدم الاستفادة من الخبرات العلمية والاجتماعية والدينية.
وعن المَثل الأعلى وأهميته وعلاقته بالتربية الإسلامية يقول الكاتب: المثل الأعلى في التربية الإسلامية يعني نموذج الحياة التي يراد للفرد المسلم أن يحياها، وللأمة المسلمة أن تعيش طبقًا لها، ومثل – المثل الأعلى – مثل النموذج أو المخطط الذي يصممه مهندس البناء أو مهندس الآلات، ثم يدفعه لمن يحيله إلى واقع ملموس طبقًا لقوانين البناء أو قوانين الآلات..
ويقرر القرآن الكريم أن اللَّـه وحده هو الخالق المصمم للإنسان، ولذلك فهو الخبير الحقيقي بتخطيط النموذج أو المثل الأعلى لصورة الإنسان الصالح المُصلِح، وأنه لا يمكن أن يشاركه تعالى أحد في تحديد المثل الأعلى في الاعتقاد والتطبيقات العملية: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم/27].
وحين يتنكر البشر المخلوقون للمثل الأعلى الذي جاءت به الرسالة ويحاولون أن يضعوا للحياة البشرية مثلاً أعلى في الاعتقاد والسلوك فإنهم يصنعون نماذج سيئة ضارة أو مثل سوء: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل/60].
ثم يبين الدور الذي تقوم به التربية الإسلامية في تنشئة الفرد على حب المثل الأعلى وتجسيده في حياته، وهذا يتكون من فصلين اثنين:
الأول: بلورة المحتوى الفكري للمثل الأعلى ثم ترجمة هذا المحتوى في تطبيقات عملية.
والثاني: هو عرض المحتوى المذكور وتهيئة المواقف والوسائل اللازمة لممارسة التطبيقات الممثلة له.
ثم يتحدث الكاتب عن تنمية الخبرات الدينية والاجتماعية والكونية عند الفرد موضحًا معنى الخبرة وأهميتها وحدود الخبرة ودوائرها، والخبرات الكونية والاجتماعية في المؤسسات التربوية العربية والإسلامية المعاصرة، مقارنًا ذلك بالخبرات في التربية الحديثة المعاصرة. أما عن تربية الإرادة عند الفرد فيوضح معنى الإرادة ووظيفتها ومستوياتها، ثم كيف تنمو الإرادة وتنضج، وكيف تضعف وتفقد، وتعد الإرادة هي المركب الأول للعمل الصالح الذي هو السمة المميزة للفرد الذي تستهدف التربية الإسلامية إعداده. يأتي المركب الثاني للعمل الصالح ممثلاً في القدرة التسخيرية، وهي تعني القدرة على اكتشاف قوانين الخلق في الكون والنفس، واستثمارها في تطبيقات نافعة لبقاء النوع البشري ورقيه.
وفي نهاية هذا البحث الموجز والرائع يقدم لنا الكاتب مظاهر أزمة تربية الفرد في المؤسسات التربوية القائمة في الأقطار العربية والإسلامية، فقديمًا انحسر مفهوم العمل الصالح وحصر في ميادين العبادة الأخلاق الفردية وغموض نموذج المثل الأعلى، وحديثًا حصر مفهوم العمل الصالح في القدرات والمهارات المادية واضطراب مفهوم المثل الأعلى، ثم يطرح الكاتب سؤالاً هو:
كيف يمكن تحويل التصورات النظرية التي تحدث عنها البحث إلى تطبيقات عملية تمكن المدرسة الإسلامية من تحويل الطموح المؤمل إلى واقع ملموس؟
يرى الكاتب أنه لتحقيق ذلك لا بد من وجود مؤسسة تنظير أو اجتهاد تربوي، ثم إقامة مختبر للتطبيقات التربوية وتوفير فرص التكامل التربوية؛ لأن هذا التكامل يوفر للمؤسستين تقويم الأعمال وتعديل الأفكار والممارسات، وتطوير البرامج والخطط ثم مراعاة قدرات الحكمة النظرية والعملية ومتطلبات التخصص الدقيق الذي يرتقي إلى رتبة الاجتهاد التربوي في الأفراد العاملين في كُلٍّ من مؤسسة التنظير التربوي والتطبيقات التربوية ثم توفير الفرصة كاملة للمؤسسة التربوية المقترحة للاطلاع على ما يجري في حارات قرية الكرة الأرضية من تجارب تربوية من التنظير والتطبيق؛ بغية الوقوف على المؤثرات المختلفة والمتجددة التي تعمل عملها في شخصية الفرد المسلم والمجتمع، فتشكل أفكار الأول وأعماله، وتسهم في صياغة قيم الثاني ونشاطاته، وهذا الاطلاع شرط أساسي لنجاح مؤسستي التنظير التربوي والتطبيقات التربوية المقترحتين، وهو مظهر الشهود الذي جعله القرآن الكريم أول صفات الرسول المربي الذي أرسل ليضع مسيرة البشرية على أعتاب طور العالمية والبحث العلمي في آيات الآفاق والأنفس: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب/45].