الأفعال والصفات التي لا يتصف بها إلا الله سبحانه وتعالى:
ولله سبحانه وتعالى أفعال وصفات اختص نفسه بها، ولم يجعلها في مقدور أحد من خلقه ولا ملائكته، ولا رسله. فمن ذلك:
الخلق:
بمعنى إخراج المادة من العدم إلى الوجود، وإعطاء كل مخلوق صفته وقدره، وبقاءه وموته، وعمله... الخ
فالله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء. قال تعالى: {الله خالق كل شيء}، وقال تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}
وقد تحدى كل مخلوقاته أن يخلقوا ذرة من الوجود. فقال تعالى: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب}
ولذلك كان من نظر علماء المادة أن المادة لا تعدم، ولا تستحدث من العدم، وهذا حق بالنسبة للمخلوق، وأما الخالق فهو الذي أخرج هذا الكون من العدم وهو الذي يتصرف فيه بما يشاء، وأما المخلوق فإنه أعجز عن أن يخلق ذرة، أو يفني ذرة!!
التصوير والتقدير:
وكما أن الله سبحانه وتعالى هو خالق السموات والأرض أي يخرجهما إلى الوجود فهو كذلك مبدع السموات والأرض والذي أعطى كل شيء خلقه الذي هو عليه أي صورته وشكله، وطبائعه وغرائزه وحده ومقداره.
قال تعالى: {الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون* يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون* ذلك عالم الغيب والشهـادة العزيز الرحيم* الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين* ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين* ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون}.
ومن أسمائه سبحانه وتعالى (المصور). قال تعالى: {هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم}.
فهو سبحانه وتعالى الذي أعطى كل مخلوق صورته، ولن يعجزه أن يمايز بين كل فرد في النوع الواحد بصورة مخالفة لصورة الآخر وهذا من كمال علمه وسعة قدرته. قال تعالى مذكراً الإنسان بنعمة الله عليه في الصورة والمثال الحسن: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم* الذي خلقك فسواك فعدلك* في أي صورة ما شاء ربك}، وفي الحديث الصحيح أنه إذا مر على النطفة أربعين يوماً أرسل الله لها ملكاً فقال: أي ربي ما عمله؟ أذكر أم أنثى؟ ما أجله؟ أشقي أم سعيد؟ فيكتب هذا كله قبل أن ينفخ فيه الروح.
التصريف:
والله سبحانه وتعالى خالق كل شيء أي موجده من العدم، وكذلك مبدعه، ومصوره، وكذلك أيضـاً مصرفه وموجهه، وهاديه، وخالق عمله، ومالك تصرفاته، فما من حركة ولا سكون من المخلـوق إلا والله علمها وقدرها، وبرأها، وهدى المخلوق إليها. قال تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى}
فهـو الذي خلق وسوى المخلوق كما يشاء، وهو الذي قدر عمل هذا المخلوق وهداه إليه وأقامه فيه. قال تعالى عن الإنسان: {هل أتي على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً، إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً* إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً}
فالله هو الذي هدى الإنسان ليتخذ سبيل المؤمنين أو سبيل الكافرين. قال تعالى: {وهديناه النجدين}.. أي طريق الخير أو طريق الشر: درب السعادة أو درب الشقاوة.
وقـال تعالى: {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً، وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً}
وقـال صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فمن كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة)
الرزق:
وكما أن الله سبحانه هو الخالق وحده، والمتصرف في خلقه وحده، فهو رازقهم وحده جل وعلا. قال تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين}.
وقال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون* ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}
وقال تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم}.
وقال تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم}
وليس معنى كون الله هو الرزاق وحده أنه خالق الرزق فقط، بل وخالق سعي العباد إلى الرزق، فهو الرزاق خلقاً للأرزاق، ولا يستطيع غيره أن يخلق شعيرة، ولا حبة بر واحدة، ولا ثمرة، بل ولا ذرة من ثمرة، بل هو أيضاً وحده سبحانه وتعالى مالك سعي خلقه إلى ما يرزقهم إياه، ويطعمهم إياه، فهو سبحانه الرزاق خلقاً وسعياً وكسباً، فكسب العبد من خلق الله سبحانه وتعالى.
الله سبحانه هو المالك والملك وحده:
ولما كان الله سبحانه وتعالى هو الخالق وحده، وهو مالك تصرفات عباده وحده، وخالق أفعالهم وحده، كان هو المالك لكل الملك وحده، وهو الملك على الحقيقة وحده. قال تعالى: {تبارك الذي بيده الملك} فالملك كله بيده وحده،ورهن تصرفه. قال تعالى: {له مقاليد السموات والأرض}، والمقاليد هي المفاتيح، فالخزائن كلها عنده وحده، وهو الذي يعطي عباده من خزائنه. قال تعالى: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم}
وإذ ذكرنـا الخزائن فلنذكر أن عطاء الله لا ينضب ولا ينقصه كثرة الإنفاق. قال صلى الله عليه وسلـم: (يد الله ملأى سحاءُ الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنها لم تنقص ما في يمينه)!!
وقال تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم وقفوا في صعيد واحد، وسألني كل مسألته فأعطيته إياها لم ينقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، فلينظر بم يرجع...)الحديث
فإذا كان خروج إبرة من البحر بشيء من البلل ينقص ماء البحر، فكذلك إعطاء الله كل مخلوقاته من أول ما خلق إلى آخر ما خلق، كل فرد فيهم ما يطلبه ويتمناه ويشتهيه، فإن ذلك لا ينقص شيئاً مما عند الله، الذي إذا أراد شيئاً أن يكـون قال له كن فيكون!! ولا يعيدها... قال تعالى: {وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر}
الله هو الملك وحده:
ولما كان الله سبحانه هو المالك وحده لأنه الخالق وحده، فهو كذلك الملك وحده، لأنه المتصرف في خلقه بكل أنواع التصرف، فلا مشيئة للعبد إلا بعد مشيئته ولا فعل للعبد إلا بأمره الكوني القدري. وملك غير الله ملك عاري لا حقيقي.
الله هو الذي له الأمر وحده (الكوني القدري، والتشريعي الديني):
ولما كان الله سبحانه وتعالى هو الخالق وحده، والمتصرف في عباده وحده كان هو الذي له الأمر وحده: الأمر بشقيه: الأمر الكوني القدري، والأمر التشريعي الديني، فأما الأمر الأول وهو الكوني القدري فإنه ما من حـركة ولا سكون، ولا وجود ولا عدم ولا تصرف في صغير ولا كبير إلا بأمره. قال تعالى: {إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول كن فيكون}، وقال تعالى: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}
وقـال تعالى: {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً}. وقال جل وعلا لرسوله: {ليس لك من الأمر شيء}، وقال: {قل إن الأمر كله لله}
وقـال جل وعلا: {ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله}، وقال تعالى: {لله الأمر من قبل ومن بعد}، وقال تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً}
وكما له سبحانه وتعالى الأمر الذي أراده كوناً وقدراً، فإن الأمر التشريعي له كله فهو الذي يأمر عباده بما شاء من طاعة، وينهاهم عما شاء من معصيته، فالشرع شرعته، والحلال ما أحله، والحـرام ما حرمه، والدين ما ارتضاه لعباده، والرسل مبلغون عنه، وليسوا مشرعين من عند أنفسهم وهم ممتثلون لأمره، مبلغون لحكمه. قال تعالى لرسوله: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك}، وقال تعالى له: {ليس لك من الأمر شيء}، وقال تعالى: {قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم}، وقال تعالى: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي}..
والعلماء مبلغون عن الله ورسوله، وليس لهم أن يجتهدوا بما يخالف أمر الله ورسوله، ولا حجة في قول أحد يخالف قول الله ورسوله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. والعالم إذا اجتهد فإنما يجتهد ليتوصل إلى ما يظن أنه حكم الله، ولا يجتهد ليعطي الناس رأيه ومعقوله وما ارتآه بل يجتهد ليصل إلى ما يظن أنه حكم الله سبحانه وتعالى.
وكل من أمر بما يخالف أمر الله فهو معرض للعقوبة فالأمر كله لله، كونياً قدرياً، وتشريعياً دينياً.
الحكم لله وحده:
وكما الأمر لله وحده فكذلك الحكم لله وحده، الحكم في عباده وخلقه كوناً وقدراً، والحكم في عباده ديناً وشرعاً. قال تعالى: {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه}، وقال تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحداً}، وقال تعالى: {له الحكم وإليه ترجعون}.
فلا يحكم في عباده إلا هو، ولو اجتمع أهل الأرض أن ينفعوا واحداً ما نفعوه إلا بأمره ومشيئته وحكمه، وعلى أن يضروه ما ضروه إلا بأمره ومشيئته وحكمه.
بل لا يستطيع أحد أن ينفع نفسه بنافعة إلا بأمره وقضائه وقدرته وحكمه، ولا أن يضر نفسه إلا بمشيئته وأمره وحكمه. فمصائر العباد كلها بين يديه، والحكم عليهم خيراً وشراً إليه، ولا يملك أحد منهم لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً إلا بإذنه وأمره، وحكمه.
لا إله إلا هو سبحانه وتعالى:
ولما كان الرب سبحانه هو الخالق وحده، والمصور وحده، والمتصرف في خلقه وحده، والملك وحده، والمالك وحده، والحاكم وحده، والآمر وحده كان كذلك هو الإله المعبود وحده...
فإن من كانت له هذه الصفات فإنه لا تنبغي العبادة بكل معانيها إلا له وحده.
فالعبادة وهي تعني الذل والخضوع والطاعة والإنابة والتعظيم والتقديس والتسبيح والتنزيه والحمد، وما يستلزم ذلك، ويقتضيه من المحبة والخضوع والرغبة والرهبة والتوكل والإنابة والخوف والخشية.
وهنا نصل إلى معنى التسبيح وهو اعتقاد وانتفاء ما يضاد هذه الصفات عن الرب تبارك وتعالى.
فكل ما يضـاد صفة الله الثابتة له، يجب نفيها عن الله سبحانه، ونفي ما يضاد صفات الحمد هو معنى تسبيح الله وتنزيهه.
المصدر موقع طريق السلف
ولله سبحانه وتعالى أفعال وصفات اختص نفسه بها، ولم يجعلها في مقدور أحد من خلقه ولا ملائكته، ولا رسله. فمن ذلك:
الخلق:
بمعنى إخراج المادة من العدم إلى الوجود، وإعطاء كل مخلوق صفته وقدره، وبقاءه وموته، وعمله... الخ
فالله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء. قال تعالى: {الله خالق كل شيء}، وقال تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}
وقد تحدى كل مخلوقاته أن يخلقوا ذرة من الوجود. فقال تعالى: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب}
ولذلك كان من نظر علماء المادة أن المادة لا تعدم، ولا تستحدث من العدم، وهذا حق بالنسبة للمخلوق، وأما الخالق فهو الذي أخرج هذا الكون من العدم وهو الذي يتصرف فيه بما يشاء، وأما المخلوق فإنه أعجز عن أن يخلق ذرة، أو يفني ذرة!!
التصوير والتقدير:
وكما أن الله سبحانه وتعالى هو خالق السموات والأرض أي يخرجهما إلى الوجود فهو كذلك مبدع السموات والأرض والذي أعطى كل شيء خلقه الذي هو عليه أي صورته وشكله، وطبائعه وغرائزه وحده ومقداره.
قال تعالى: {الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون* يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون* ذلك عالم الغيب والشهـادة العزيز الرحيم* الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين* ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين* ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون}.
ومن أسمائه سبحانه وتعالى (المصور). قال تعالى: {هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم}.
فهو سبحانه وتعالى الذي أعطى كل مخلوق صورته، ولن يعجزه أن يمايز بين كل فرد في النوع الواحد بصورة مخالفة لصورة الآخر وهذا من كمال علمه وسعة قدرته. قال تعالى مذكراً الإنسان بنعمة الله عليه في الصورة والمثال الحسن: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم* الذي خلقك فسواك فعدلك* في أي صورة ما شاء ربك}، وفي الحديث الصحيح أنه إذا مر على النطفة أربعين يوماً أرسل الله لها ملكاً فقال: أي ربي ما عمله؟ أذكر أم أنثى؟ ما أجله؟ أشقي أم سعيد؟ فيكتب هذا كله قبل أن ينفخ فيه الروح.
التصريف:
والله سبحانه وتعالى خالق كل شيء أي موجده من العدم، وكذلك مبدعه، ومصوره، وكذلك أيضـاً مصرفه وموجهه، وهاديه، وخالق عمله، ومالك تصرفاته، فما من حركة ولا سكون من المخلـوق إلا والله علمها وقدرها، وبرأها، وهدى المخلوق إليها. قال تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى}
فهـو الذي خلق وسوى المخلوق كما يشاء، وهو الذي قدر عمل هذا المخلوق وهداه إليه وأقامه فيه. قال تعالى عن الإنسان: {هل أتي على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً، إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً* إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً}
فالله هو الذي هدى الإنسان ليتخذ سبيل المؤمنين أو سبيل الكافرين. قال تعالى: {وهديناه النجدين}.. أي طريق الخير أو طريق الشر: درب السعادة أو درب الشقاوة.
وقـال تعالى: {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً، وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً}
وقـال صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فمن كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة)
الرزق:
وكما أن الله سبحانه هو الخالق وحده، والمتصرف في خلقه وحده، فهو رازقهم وحده جل وعلا. قال تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين}.
وقال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون* ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}
وقال تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم}.
وقال تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم}
وليس معنى كون الله هو الرزاق وحده أنه خالق الرزق فقط، بل وخالق سعي العباد إلى الرزق، فهو الرزاق خلقاً للأرزاق، ولا يستطيع غيره أن يخلق شعيرة، ولا حبة بر واحدة، ولا ثمرة، بل ولا ذرة من ثمرة، بل هو أيضاً وحده سبحانه وتعالى مالك سعي خلقه إلى ما يرزقهم إياه، ويطعمهم إياه، فهو سبحانه الرزاق خلقاً وسعياً وكسباً، فكسب العبد من خلق الله سبحانه وتعالى.
الله سبحانه هو المالك والملك وحده:
ولما كان الله سبحانه وتعالى هو الخالق وحده، وهو مالك تصرفات عباده وحده، وخالق أفعالهم وحده، كان هو المالك لكل الملك وحده، وهو الملك على الحقيقة وحده. قال تعالى: {تبارك الذي بيده الملك} فالملك كله بيده وحده،ورهن تصرفه. قال تعالى: {له مقاليد السموات والأرض}، والمقاليد هي المفاتيح، فالخزائن كلها عنده وحده، وهو الذي يعطي عباده من خزائنه. قال تعالى: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم}
وإذ ذكرنـا الخزائن فلنذكر أن عطاء الله لا ينضب ولا ينقصه كثرة الإنفاق. قال صلى الله عليه وسلـم: (يد الله ملأى سحاءُ الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنها لم تنقص ما في يمينه)!!
وقال تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم وقفوا في صعيد واحد، وسألني كل مسألته فأعطيته إياها لم ينقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، فلينظر بم يرجع...)الحديث
فإذا كان خروج إبرة من البحر بشيء من البلل ينقص ماء البحر، فكذلك إعطاء الله كل مخلوقاته من أول ما خلق إلى آخر ما خلق، كل فرد فيهم ما يطلبه ويتمناه ويشتهيه، فإن ذلك لا ينقص شيئاً مما عند الله، الذي إذا أراد شيئاً أن يكـون قال له كن فيكون!! ولا يعيدها... قال تعالى: {وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر}
الله هو الملك وحده:
ولما كان الله سبحانه هو المالك وحده لأنه الخالق وحده، فهو كذلك الملك وحده، لأنه المتصرف في خلقه بكل أنواع التصرف، فلا مشيئة للعبد إلا بعد مشيئته ولا فعل للعبد إلا بأمره الكوني القدري. وملك غير الله ملك عاري لا حقيقي.
الله هو الذي له الأمر وحده (الكوني القدري، والتشريعي الديني):
ولما كان الله سبحانه وتعالى هو الخالق وحده، والمتصرف في عباده وحده كان هو الذي له الأمر وحده: الأمر بشقيه: الأمر الكوني القدري، والأمر التشريعي الديني، فأما الأمر الأول وهو الكوني القدري فإنه ما من حـركة ولا سكون، ولا وجود ولا عدم ولا تصرف في صغير ولا كبير إلا بأمره. قال تعالى: {إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول كن فيكون}، وقال تعالى: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}
وقـال تعالى: {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً}. وقال جل وعلا لرسوله: {ليس لك من الأمر شيء}، وقال: {قل إن الأمر كله لله}
وقـال جل وعلا: {ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله}، وقال تعالى: {لله الأمر من قبل ومن بعد}، وقال تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً}
وكما له سبحانه وتعالى الأمر الذي أراده كوناً وقدراً، فإن الأمر التشريعي له كله فهو الذي يأمر عباده بما شاء من طاعة، وينهاهم عما شاء من معصيته، فالشرع شرعته، والحلال ما أحله، والحـرام ما حرمه، والدين ما ارتضاه لعباده، والرسل مبلغون عنه، وليسوا مشرعين من عند أنفسهم وهم ممتثلون لأمره، مبلغون لحكمه. قال تعالى لرسوله: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك}، وقال تعالى له: {ليس لك من الأمر شيء}، وقال تعالى: {قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم}، وقال تعالى: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي}..
والعلماء مبلغون عن الله ورسوله، وليس لهم أن يجتهدوا بما يخالف أمر الله ورسوله، ولا حجة في قول أحد يخالف قول الله ورسوله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. والعالم إذا اجتهد فإنما يجتهد ليتوصل إلى ما يظن أنه حكم الله، ولا يجتهد ليعطي الناس رأيه ومعقوله وما ارتآه بل يجتهد ليصل إلى ما يظن أنه حكم الله سبحانه وتعالى.
وكل من أمر بما يخالف أمر الله فهو معرض للعقوبة فالأمر كله لله، كونياً قدرياً، وتشريعياً دينياً.
الحكم لله وحده:
وكما الأمر لله وحده فكذلك الحكم لله وحده، الحكم في عباده وخلقه كوناً وقدراً، والحكم في عباده ديناً وشرعاً. قال تعالى: {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه}، وقال تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحداً}، وقال تعالى: {له الحكم وإليه ترجعون}.
فلا يحكم في عباده إلا هو، ولو اجتمع أهل الأرض أن ينفعوا واحداً ما نفعوه إلا بأمره ومشيئته وحكمه، وعلى أن يضروه ما ضروه إلا بأمره ومشيئته وحكمه.
بل لا يستطيع أحد أن ينفع نفسه بنافعة إلا بأمره وقضائه وقدرته وحكمه، ولا أن يضر نفسه إلا بمشيئته وأمره وحكمه. فمصائر العباد كلها بين يديه، والحكم عليهم خيراً وشراً إليه، ولا يملك أحد منهم لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً إلا بإذنه وأمره، وحكمه.
لا إله إلا هو سبحانه وتعالى:
ولما كان الرب سبحانه هو الخالق وحده، والمصور وحده، والمتصرف في خلقه وحده، والملك وحده، والمالك وحده، والحاكم وحده، والآمر وحده كان كذلك هو الإله المعبود وحده...
فإن من كانت له هذه الصفات فإنه لا تنبغي العبادة بكل معانيها إلا له وحده.
فالعبادة وهي تعني الذل والخضوع والطاعة والإنابة والتعظيم والتقديس والتسبيح والتنزيه والحمد، وما يستلزم ذلك، ويقتضيه من المحبة والخضوع والرغبة والرهبة والتوكل والإنابة والخوف والخشية.
وهنا نصل إلى معنى التسبيح وهو اعتقاد وانتفاء ما يضاد هذه الصفات عن الرب تبارك وتعالى.
فكل ما يضـاد صفة الله الثابتة له، يجب نفيها عن الله سبحانه، ونفي ما يضاد صفات الحمد هو معنى تسبيح الله وتنزيهه.
المصدر موقع طريق السلف