..العشرة المبشرون بالجنة..أبو بكر الصديق{2}..
الإسراء والمعراج
وحينما أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى بيت المقدس ذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا له: (هل لك يا أبا بكر في صاحبك، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة!)... فقال لهم أبو بكر: (إنكم تكذبون عليه)... فقالوا: (بلى، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس) فقال أبو بكر: (والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجّبكم من ذلك! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه! فهذا أبعد مما تعجبون منه).
ثم أقبل حتى انتهى الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: (يا نبي الله، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة؟)... قال: (نعم)... قال: (يا نبي الله فاصفه لي، فإني قد جئته)... فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فرفع لي حتى نظرت إليه)... فجعل الرسول الكريم يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر: (صدقت، أشهد أنك رسول الله)... حتى إذا انتهى قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: (وأنت يا أبا بكر الصديق)... فيومئذ سماه الصديق.
الصحبة
ولقد سجل له القرآن الكريم شرف الصحبة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أثناء الهجرة إلى المدينة المنورة... فقال تعالى: {ثاني اثنين اذ هما في الغار، اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا}.
كان أبو بكر رجلا ذا مال، فاستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-في الهجرة فقال له الرسول: (لا تعْجل لعل الله يجعل لك صاحباً)... فطمع بأن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما يعني نفسه حين قال له ذلك، فابتاع راحلتين فاحتبسهما في داره يعلفهما إعدادا لذلك، وفي يوم الهجرة، أتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيت أبي بكر بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها، فلما رآه أبو بكر قال: (ما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-هذه الساعة إلا لأمر حدث).
فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس عند أبي بكر إلا أسماء وعائشة، فقال الرسول: (أخرج عني من عندك)... فقال أبو بكر: (يا رسول الله، إنما هما ابنتاي، وما ذاك؟ فداك أبي وأمي!)... فقال: (إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة)... فقال أبو بكر: (الصُّحبة يا رسول الله؟)... قال: (الصُّحبة)... تقول السيدة عائشة: (فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ)... ثم قال أبو بكر: (يا نبيّ الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا)... فاستأجرا عبد الله بن أرْقَط، وكان مشركاً يدلهما على الطريق، فدفعا إليه راحلتيهما، فكانت عنده يرعاهما لميعادهما.
أبواب الجنـة
عن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب -يعني الجنة- يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد، دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان)... فقال أبو بكر: (ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة)... وقال: (هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله)... قال: (نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر).
مناقبه وكراماته
مناقب أبو بكر -رضي الله عنه- كثيرة ومتعددة فمن مناقبه السبق الى أنواع الخيرات والعبادات حتى قال عمر بن الخطاب: (ما سبقت أبا بكر الى خير إلاّ سبقني)... وكان أبو بكر الصديق يفهم إشارات الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي تخفى على غيره كحديث: (أن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده)، ففهم أنه عليه الصلاة والسلام ينعي نفسه، ومن ذلك أيضا فتواه في حضرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإقراره على ذلك.
وهو أول خليفة في الإسلام، وأول من جمع المصحـف الشريـف، وأول من أقام للناس حجّهـم في حياة رسـول اللـه -صلى اللـه عليـه وسلم- وبعده... وكان في الجاهلية قد حرم على نفسه شرب الخمر، وفي الإسلام امتنع عن قول الشعر... كما أنه -رضي الله عنه- لم يفته أي مشهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-... وقد قال له الرسول -صلى اللـه عليه وسلم-: (أنت عتيق الله من النار)، فسمّي عتيقاً.
وقد بلغ بلال بن رباح أن ناساً يفضلونه على أبي بكر فقال: (كيف تفضِّلوني عليه، وإنما أنا حسنة من حسناته!!).
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال : كنت جالسا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أما صاحبكم فقد غامر)... فسلم وقال: (إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى علي فأقبلت إليك)... فقال: (يغفر الله لك يا أبا بكر)...ثلاثا، ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر ، فسأل: (أثم أبو بكر)... فقالوا: (لا)... فأتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسلم، فجعل وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- يتمعر، حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه فقال: (يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم مرتين)... فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي)... مرتين فما أوذي بعدها.
خلافته
وفي أثناء مرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يصلي بالمسلمين، وبعد وفاة الرسول الكريم بويع أبوبكر بالخلافة في سقيفة بني ساعدة، وكان زاهدا فيها ولم يسع إليها، إذ دخل عليه ذات يوم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فوجده يبكي، فسأله عن ذلك فقال له: (يا عمر لا حاجة لي في إمارتكم!!)... فرد عليه عمر: (أين المفر؟ والله لا نقيلك ولا نستقيلك).
جيش أسامة
وجَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد في سبعمائة الى الشام، فلمّا نزل بـذي خُشُـب -واد على مسيرة ليلة من المدينة- قُبِض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وارتدّت العرب حول المدينة، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا: (يا أبا بكر رُدَّ هؤلاء، تُوجِّه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟!)... فقال: (والذي لا إله إلا هو لو جرّت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رَدَدْت جيشاً وجَّهه رسول الله ولا حللت عقدَهُ رسول الله)... فوجّه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا: (لولا أن لهؤلاء قوّة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم)... فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام.
حروب الردة
بعد وفـاة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ارتدت العرب ومنعت الزكاة، واختلـف رأي الصحابة في قتالهم مع تكلمهم بالتوحيـد، قال عمر بن الخطاب: (كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منّي دماءَهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله]؟!)... فقال أبو بكر: (الزكاة حقُّ المال)... وقال: (والله لأقاتلن من فرّق الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عَنَاقاً كانوا يُؤدّونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها)... ونصب أبو بكر الصديق وجهه وقام وحده حاسراً مشمِّراً حتى رجع الكل إلى رأيه، ولم يمت حتى استقام الدين، وانتهى أمر المرتدين.
جيوش العراق والشام
ولمّا فرغ أبو بكر -رضي الله عنه- من قتال المرتدين بعث أبا عبيدة الى الشام وخالد بن الوليد الى العراق، وكان لا يعتمد في حروب الفتوحات على أحد ممن ارتدَّ من العرب، فلم يدخل في الفتوح إلا من كان ثابتا على الإسلام.
استخلاف عمر
لمّا أراد أبو بكر أن يستخلف عمر بن الخطاب بعث إليه وقال: (إني أدعوك إلى أمر متعب لمن وليه، فاتق الله يا عمر بطاعته، وأطعه بتقواه، فإن المتقي آمن محفوظ، ثم إن الأمر معروض لا يستوجبه إلا من عمل به، فمن أمر بالحق وعمل بالباطل، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيتُهُ، وأن يحبط عمله، فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تخفّ يدك من دمائهم، وأن تصم بطنك من أموالهم، وأن يخف لسانك عن أعراضهم، فافعل ولا حول ولا قوة إلا بالله).
وفاته
ولد أبو بكر في مكة عام (51 قبل الهجرة) ومات بالمدينة بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بسنتين وثلاثة أشهر وبضع ليال سنة (13 هـ).
ولمّا كان اليوم الذي قُبض فيه أبو بكر رجّت المدينة بالبكاء، ودهش الناس كيوم قُبض الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وجاء علي بن أبي طالب باكيا مسرعا وهو يقول: (اليوم انقطعت خلافة النبوة)... حتى وقف على البيت الذي فيه أبو بكر مسجّىً فقال: (رحمك الله يا أبا بكر، كنت أول القوم إسلاما، وأكملهم إيمانا، وأخوفهم لله، وأشدهم يقينا، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأحدبهم على الإسلام، وآمنهم على أصحابه، وأحسنهم صُحْبة، وأفضلهم مناقب، وأكثرهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأشبههم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- به هدياً وخُلُقاً وسمتاً وفعلاً).
الإسراء والمعراج
وحينما أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى بيت المقدس ذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا له: (هل لك يا أبا بكر في صاحبك، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة!)... فقال لهم أبو بكر: (إنكم تكذبون عليه)... فقالوا: (بلى، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس) فقال أبو بكر: (والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجّبكم من ذلك! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه! فهذا أبعد مما تعجبون منه).
ثم أقبل حتى انتهى الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: (يا نبي الله، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة؟)... قال: (نعم)... قال: (يا نبي الله فاصفه لي، فإني قد جئته)... فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فرفع لي حتى نظرت إليه)... فجعل الرسول الكريم يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر: (صدقت، أشهد أنك رسول الله)... حتى إذا انتهى قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: (وأنت يا أبا بكر الصديق)... فيومئذ سماه الصديق.
الصحبة
ولقد سجل له القرآن الكريم شرف الصحبة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أثناء الهجرة إلى المدينة المنورة... فقال تعالى: {ثاني اثنين اذ هما في الغار، اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا}.
كان أبو بكر رجلا ذا مال، فاستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-في الهجرة فقال له الرسول: (لا تعْجل لعل الله يجعل لك صاحباً)... فطمع بأن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما يعني نفسه حين قال له ذلك، فابتاع راحلتين فاحتبسهما في داره يعلفهما إعدادا لذلك، وفي يوم الهجرة، أتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيت أبي بكر بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها، فلما رآه أبو بكر قال: (ما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-هذه الساعة إلا لأمر حدث).
فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس عند أبي بكر إلا أسماء وعائشة، فقال الرسول: (أخرج عني من عندك)... فقال أبو بكر: (يا رسول الله، إنما هما ابنتاي، وما ذاك؟ فداك أبي وأمي!)... فقال: (إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة)... فقال أبو بكر: (الصُّحبة يا رسول الله؟)... قال: (الصُّحبة)... تقول السيدة عائشة: (فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ)... ثم قال أبو بكر: (يا نبيّ الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا)... فاستأجرا عبد الله بن أرْقَط، وكان مشركاً يدلهما على الطريق، فدفعا إليه راحلتيهما، فكانت عنده يرعاهما لميعادهما.
أبواب الجنـة
عن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب -يعني الجنة- يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد، دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان)... فقال أبو بكر: (ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة)... وقال: (هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله)... قال: (نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر).
مناقبه وكراماته
مناقب أبو بكر -رضي الله عنه- كثيرة ومتعددة فمن مناقبه السبق الى أنواع الخيرات والعبادات حتى قال عمر بن الخطاب: (ما سبقت أبا بكر الى خير إلاّ سبقني)... وكان أبو بكر الصديق يفهم إشارات الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي تخفى على غيره كحديث: (أن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده)، ففهم أنه عليه الصلاة والسلام ينعي نفسه، ومن ذلك أيضا فتواه في حضرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإقراره على ذلك.
وهو أول خليفة في الإسلام، وأول من جمع المصحـف الشريـف، وأول من أقام للناس حجّهـم في حياة رسـول اللـه -صلى اللـه عليـه وسلم- وبعده... وكان في الجاهلية قد حرم على نفسه شرب الخمر، وفي الإسلام امتنع عن قول الشعر... كما أنه -رضي الله عنه- لم يفته أي مشهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-... وقد قال له الرسول -صلى اللـه عليه وسلم-: (أنت عتيق الله من النار)، فسمّي عتيقاً.
وقد بلغ بلال بن رباح أن ناساً يفضلونه على أبي بكر فقال: (كيف تفضِّلوني عليه، وإنما أنا حسنة من حسناته!!).
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال : كنت جالسا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أما صاحبكم فقد غامر)... فسلم وقال: (إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى علي فأقبلت إليك)... فقال: (يغفر الله لك يا أبا بكر)...ثلاثا، ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر ، فسأل: (أثم أبو بكر)... فقالوا: (لا)... فأتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسلم، فجعل وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- يتمعر، حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه فقال: (يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم مرتين)... فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي)... مرتين فما أوذي بعدها.
خلافته
وفي أثناء مرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يصلي بالمسلمين، وبعد وفاة الرسول الكريم بويع أبوبكر بالخلافة في سقيفة بني ساعدة، وكان زاهدا فيها ولم يسع إليها، إذ دخل عليه ذات يوم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فوجده يبكي، فسأله عن ذلك فقال له: (يا عمر لا حاجة لي في إمارتكم!!)... فرد عليه عمر: (أين المفر؟ والله لا نقيلك ولا نستقيلك).
جيش أسامة
وجَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد في سبعمائة الى الشام، فلمّا نزل بـذي خُشُـب -واد على مسيرة ليلة من المدينة- قُبِض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وارتدّت العرب حول المدينة، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا: (يا أبا بكر رُدَّ هؤلاء، تُوجِّه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟!)... فقال: (والذي لا إله إلا هو لو جرّت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رَدَدْت جيشاً وجَّهه رسول الله ولا حللت عقدَهُ رسول الله)... فوجّه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا: (لولا أن لهؤلاء قوّة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم)... فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام.
حروب الردة
بعد وفـاة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ارتدت العرب ومنعت الزكاة، واختلـف رأي الصحابة في قتالهم مع تكلمهم بالتوحيـد، قال عمر بن الخطاب: (كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منّي دماءَهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله]؟!)... فقال أبو بكر: (الزكاة حقُّ المال)... وقال: (والله لأقاتلن من فرّق الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عَنَاقاً كانوا يُؤدّونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها)... ونصب أبو بكر الصديق وجهه وقام وحده حاسراً مشمِّراً حتى رجع الكل إلى رأيه، ولم يمت حتى استقام الدين، وانتهى أمر المرتدين.
جيوش العراق والشام
ولمّا فرغ أبو بكر -رضي الله عنه- من قتال المرتدين بعث أبا عبيدة الى الشام وخالد بن الوليد الى العراق، وكان لا يعتمد في حروب الفتوحات على أحد ممن ارتدَّ من العرب، فلم يدخل في الفتوح إلا من كان ثابتا على الإسلام.
استخلاف عمر
لمّا أراد أبو بكر أن يستخلف عمر بن الخطاب بعث إليه وقال: (إني أدعوك إلى أمر متعب لمن وليه، فاتق الله يا عمر بطاعته، وأطعه بتقواه، فإن المتقي آمن محفوظ، ثم إن الأمر معروض لا يستوجبه إلا من عمل به، فمن أمر بالحق وعمل بالباطل، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيتُهُ، وأن يحبط عمله، فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تخفّ يدك من دمائهم، وأن تصم بطنك من أموالهم، وأن يخف لسانك عن أعراضهم، فافعل ولا حول ولا قوة إلا بالله).
وفاته
ولد أبو بكر في مكة عام (51 قبل الهجرة) ومات بالمدينة بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بسنتين وثلاثة أشهر وبضع ليال سنة (13 هـ).
ولمّا كان اليوم الذي قُبض فيه أبو بكر رجّت المدينة بالبكاء، ودهش الناس كيوم قُبض الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وجاء علي بن أبي طالب باكيا مسرعا وهو يقول: (اليوم انقطعت خلافة النبوة)... حتى وقف على البيت الذي فيه أبو بكر مسجّىً فقال: (رحمك الله يا أبا بكر، كنت أول القوم إسلاما، وأكملهم إيمانا، وأخوفهم لله، وأشدهم يقينا، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأحدبهم على الإسلام، وآمنهم على أصحابه، وأحسنهم صُحْبة، وأفضلهم مناقب، وأكثرهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأشبههم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- به هدياً وخُلُقاً وسمتاً وفعلاً).