بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد :
فقد كتب الأستاذ/ محمد الصادق مغلس تحت عنوان :
أبرز أئمة أهل السُّنَّة والجماعة في هذا العصر
هؤلاء العلماء الثلاثة ـ رحمهم الله ـ إنما اخترناهم؛ لأنهم توفوا في عام واحد، ففقدت الأمة الإسلامية بهم أئمة موجهين في مجالات الدين.
هؤلاء الثلاثة لهم قبول في مختلف أنحاء العالم الإسلامي عند جميع المسلمين المنتهجين نهج أهل السُّنَّة والجماعة، فكل مسلم ــ غالباً ــ إذا ذُكر عنده أحد هؤلاء العلماء فإنه يرتاح إليه، ويقبل منه،ويذكره بكل خير،ولا يبغض أحداً من هؤلاء العلماء إلا مبتدع أوضال أومنحرف.
كذلك فإن القصيدة التي نحن بصدد شرحهاـ إن شاء الله ــ ذكرت هؤلاء العلماء الثلاثة، وليس معنى ذلك أنه لا يوجد علماء آخرون، فهنالك أيضاً علماء آخرون هم سائرون على منهج أهل السُّنَّة والجماعة، وقــد نفــع الله ــ تبارك وتعالى ــ بهم كثيراً في جوانب العلم وجوانب التربية، وإن لم نذكرهم هاهنا . والاقتصار على ذكر هؤلاء الثلاثة لا يعني أننا لا نعترف لغيرهم بالعلم والفضل، وإنما لأن المقام لا يتسع لتعداد العلماء؛ فاكتفينا بذكر أئمتهم في هذا العصــر، والذيـن أراد الله ــتبارك وتعالى ــ أن يقبضهم في سنة واحدة .
والرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ يقول في الحديث الذي رواه أبوحاتم والخطيب وغيرهما ــ صححه ابن عبد البر وابن تيميــة وابن القيم، وصححه كــذلك الألبانـي، (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ...) أي: في كل جيل يحمل علم الشريعة العدول من العلماء، فهنالك علماء قد يتبحرون في العلوم،ولكنهم يفتقدون صفة العدالة، والعالم الذي يفتقد صفة العدالة لا يمكن أن يكون إماماً،ولا يمكن أن يكون مرجعاً في الدين، ولا يمكن أن يجعله الله تبارك وتعالى من حفَظَة الإسلام.
(يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين ...)، هنالك أناس يغالون ويتطرفون، ويُفضي بهم تطرّفهم وتفضي بهم مغالاتهم إلى التحريف في دين الله، فيأتي هؤلاء العلماء العدول لكي ينفوا هذا التحريف،كما حدث من الخوارج ــ مثلاً ــ الذين غلوا في دين الله حتى حرّفوا،وكان من ضمن تحريفهم: أن زعموا أن مرتكب الكبيرة كافرٌ وأنه يخلّد في النار.
(...وانتحال المبطلين...) يأتي مبطل فيتقمص ثوب الإسلام وينتحله،كما يحصل من الروافض الذين يزعمون أنهم حماة للدين والإسلام، وهم في الحقيقة حماة للباطل حمَلَةٌ له.
(...وتأويل الجاهلين)كم من جاهل لا يريد أن يتعب في دراسة دين الله تعالي،فيختار الطرُق القصيرة ويقوم بالإفتاء من عند نفسه فيؤوّل كل شيء حسب ما يروق له، وحسب هواه، كما هوحاصل مِن بعض مَن تصدّروا للناس في هذا الزمان، وكذلك في كل زمان، يفتونهم بما يمليه العقل،لا بما قال الله وقال رسوله، أعْيَتْهم النصوص والسُّنن والآثار عن أن يتتبعوها ويحفظوها، فاكتفوا بما تمليه عقولهم.
منهجية العلماء الأجـلاء
الألباني، ابن باز، الندوي ـ رحمهم الله ـ
سوف نمر مروراً سريعاً على منهجية هؤلاء العلماء الثلاثة، ولا نستطيع أن نستقصي؛ لأن كل عالم منهم لا تكفيه محاضرة واسعة لكي يتكلم المرء عن منهجيته، ولذلك سوف نمر على القواسم المشتركة عند هؤلاء العلماء الثلاثة بسرعة، ونمر كذلك على المنهجية المقابلة التي أخذتْ تُطِلّ برأسها في هذا العصر، وبدأت تفتن كثيراً من الناس وفيها انحراف واضح ؛ وهي منهجية (العصرانيين)، ثم نشرح القصيدة بعد ذلك، ونكون قد سلطنا الضوء عليها أوعلى المعاني التي وردت فيها من خلال كلامنا على المنهجيتين.
من أبرز ما يظهر في منهجية هؤلاء العلماء الثلاثة: أنهم يمثلون كبار أئمة أهل السُّنَّة والجماعة في هذا العصر، وهم يلتزمون بالكتاب والسُّنَّة على فهم السلف الصالح؛ لأن المدّعين للالتزام بالكتاب والسُّنَّة كُثْر، ولكن أهل السُّنَّة والجماعة الحقيقيين يلتزمون بالكتاب والسُّنَّة على فهم خير القرون؛ وهم الصحابة والتابعون وتابعوهم، بما في ذلك اعتماد الإجماع الثابت واعتماد القياس الصحيح...هؤلاء العلماء الثلاثة في أمور العقيدة والفقه والتربية،وغير ذلك من مجالات الشريعة؛ يدورون مع الدليل الشرعي من الكتاب أوالسُّنَّة أوالإجماع أوالقياس...يحترمون المذاهب الأربعة ومذهب أهل الظاهر في الجملة؛ باعتبارها _ أي: هذه المذاهب ــ مذاهب أهل السُّنَّة والجماعة.
وهؤلاء الأئمة الثلاثة مجتهدون، يعتمدون في الغالب ــ من كل مذهب من هذه المذاهب ــ ما هوالراجح من حيث الدليل، لا يتعصبون لأي مذهب منها، ولا يقبلون من الفكر المستورد ــ قديماً أوحديثاً ــ إلا ما يقبله معيار الشرع، فالواردات على الأمة الإسلامية كثيرة في القديم والحديث، وهؤلاء لا يقبلون إلا ما يتفق مع معيار الشرع، باعتبار أن الإسلام غنيٌّ جملة وتفصيلاً، ولا يحتاج إلى استيراد، يقول سبحانه: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل89).
منهج السلف الصالح قارب النجاة:
(منهج أهل السُّنَّة والجماعة)
ويعتبرون أن النجاة هي في اتباع السلف واتباع خير القرون، وفي مقدمتهم الصحابة -رضى الله عنهم-؛ لأن الله يقول: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}(التوبة100)، فالذين رضي الله عنهم ورضوا عنه هم أولئك السابقون، ثم كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، ومن خرج عن الاتّباع بإحسان فليس من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه : {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:100) وهم الذين قال الله عنهم: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}(لأعراف:181)، وقال فيهم عليه الصلاة والسلام: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين}كما عند البخاري ومسلم ـ رحمهما الله ـ وغيرهما.
كذلك فإن الرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ في الحديث الذي ذكَر فيه افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة،ورواه أحمد والترمذي والحاكم وغيرهم،ذكَر الفرقة الناجية وقال: (هي الجماعة)،ثم بيّن منهجها فقال ــ كما في الحديث الذي رواه الترمذي، وحسنه الألباني ــ: (ما أنا عليه وأصحابي) ... فالفرقة الناجية هي الجماعة وهي التي تتمسك بما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحبه... تتمسك بسُّنَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم -وسُنَّة خلفائه الراشدين: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين) رواه أبوداود والترمذي وقال حسن صحيح، وذكر الألباني أنه صحيح، فالفرقة الناجية ما دامت هي الجماعة وهي تتمسك بسُنَّة الرسول وخلفائه، فهي فرقة أهل السُّنَّة والجماعة، ومن هنا جاءت التسمية، فقيل منهج أهل السُّنَّة والجماعة، وهم يشكلون معظم الأمة كما قال المقبلي، ونقل عنه ذلك الألباني في السلسلة الصحيحة وأقرّ ذلك، فأمة المليار والنصف وإن انقسمت إلى ثلاث وسبعين فرقة إلا أن الفرقة الناجية التي طليعتها الطائفة الظاهرة هي معظم الأمة وجُمْلتها، ولذلك قيل لها الجماعة، وهي معظم أهل الجنة، فعند الترمذي وهو حديث صحيح أنه يدخل الجنة مائة وعشرون صفاً منهم ثمانون صفاً (الثلثان) من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - . وتبقى اثنتان وسبعون فرقة هي الفِرَق الضالة من أمة المليار والنصف، ولا تكاد تزيد الفِرَق الضالة في عدد الأفراد على مائة مليون أومائة وخمسين مليوناً، في حين إن أتْباع المذاهب الأربعة ومن أخذ بمنهجهم هم مئات الملايين وهم الأمة! وغيرهم الشُّذوذ كفِرَق الروافض وفِرَق الخوارج وفِرَق العلمانيين وفِرَق الباطنيين.. إلخ. وأئمة المذاهب الأربعة عقيدتهم سلفية، فعقيدة أبي حنيفة سجّلها الإمام الطحاوي في الطحاوية، ومالك عنوان عقيدته السلفية «إثبات الصفات» وقد اشتهر عنه «الاستواء معلوم، والكيف مجهول... إلخ»، والشافعي اشتهر عنه: «حُكمي على أهل الكلام أن يُـضربوا بالجريد والنعال»، وأحمد سلفيته أوضح من أن تذكر... وعلماء الكلام في المذاهب الأربعة ليس لفلسفتهم رواج عام عند أتباع المذاهب الأربعة، فهم أقلية محصورةٌ بترفها الفكري في برجٍ عاجِيٍّ .وجُمْلة علماء المذاهب الأربعة الذين يدينون بعقيدة مؤسسي المذاهب، بالإضافة إلى العوامّ المقلّدين لهذه المذاهب هم معظم أمة الإسلام على مرّ القرون ...وهم الجماعة ...وهم أمة المليار والنصف اليوم ...وعقيدتهم فطرية بسيطة هي عقيدة الإسلام، البعيدة عن التعقيدات المستوردة لعلم الكلام، وهي مثل عقيدة الجارية التي سألها الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (أين الله؟) فقالت: في السماء، بحيث لوسألت أيّ عامّي في أيّ مكان بهذا السؤال لأجابك بنفس الجواب .... وبعض علماء الكلام انتهى بهم الأمر في أواخر حياتهم إلى أن يتمنـّـوا إيمان العجـائز والعوامّ .
والسُّنَّة هي الفيصل بين الجماعة وبين الفرق الضالة، فالباطنيون مثلاً والروافض والخوارج والعلمانيون لا يحترمون الأمهات الست ولا المسانيد ولا دواوين الحــديث،ولا يحـترمون الصحابة ولا آثارهم ولا فهْمهم.
.
أما بعد :
فقد كتب الأستاذ/ محمد الصادق مغلس تحت عنوان :
أبرز أئمة أهل السُّنَّة والجماعة في هذا العصر
هؤلاء العلماء الثلاثة ـ رحمهم الله ـ إنما اخترناهم؛ لأنهم توفوا في عام واحد، ففقدت الأمة الإسلامية بهم أئمة موجهين في مجالات الدين.
هؤلاء الثلاثة لهم قبول في مختلف أنحاء العالم الإسلامي عند جميع المسلمين المنتهجين نهج أهل السُّنَّة والجماعة، فكل مسلم ــ غالباً ــ إذا ذُكر عنده أحد هؤلاء العلماء فإنه يرتاح إليه، ويقبل منه،ويذكره بكل خير،ولا يبغض أحداً من هؤلاء العلماء إلا مبتدع أوضال أومنحرف.
كذلك فإن القصيدة التي نحن بصدد شرحهاـ إن شاء الله ــ ذكرت هؤلاء العلماء الثلاثة، وليس معنى ذلك أنه لا يوجد علماء آخرون، فهنالك أيضاً علماء آخرون هم سائرون على منهج أهل السُّنَّة والجماعة، وقــد نفــع الله ــ تبارك وتعالى ــ بهم كثيراً في جوانب العلم وجوانب التربية، وإن لم نذكرهم هاهنا . والاقتصار على ذكر هؤلاء الثلاثة لا يعني أننا لا نعترف لغيرهم بالعلم والفضل، وإنما لأن المقام لا يتسع لتعداد العلماء؛ فاكتفينا بذكر أئمتهم في هذا العصــر، والذيـن أراد الله ــتبارك وتعالى ــ أن يقبضهم في سنة واحدة .
والرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ يقول في الحديث الذي رواه أبوحاتم والخطيب وغيرهما ــ صححه ابن عبد البر وابن تيميــة وابن القيم، وصححه كــذلك الألبانـي، (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ...) أي: في كل جيل يحمل علم الشريعة العدول من العلماء، فهنالك علماء قد يتبحرون في العلوم،ولكنهم يفتقدون صفة العدالة، والعالم الذي يفتقد صفة العدالة لا يمكن أن يكون إماماً،ولا يمكن أن يكون مرجعاً في الدين، ولا يمكن أن يجعله الله تبارك وتعالى من حفَظَة الإسلام.
(يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين ...)، هنالك أناس يغالون ويتطرفون، ويُفضي بهم تطرّفهم وتفضي بهم مغالاتهم إلى التحريف في دين الله، فيأتي هؤلاء العلماء العدول لكي ينفوا هذا التحريف،كما حدث من الخوارج ــ مثلاً ــ الذين غلوا في دين الله حتى حرّفوا،وكان من ضمن تحريفهم: أن زعموا أن مرتكب الكبيرة كافرٌ وأنه يخلّد في النار.
(...وانتحال المبطلين...) يأتي مبطل فيتقمص ثوب الإسلام وينتحله،كما يحصل من الروافض الذين يزعمون أنهم حماة للدين والإسلام، وهم في الحقيقة حماة للباطل حمَلَةٌ له.
(...وتأويل الجاهلين)كم من جاهل لا يريد أن يتعب في دراسة دين الله تعالي،فيختار الطرُق القصيرة ويقوم بالإفتاء من عند نفسه فيؤوّل كل شيء حسب ما يروق له، وحسب هواه، كما هوحاصل مِن بعض مَن تصدّروا للناس في هذا الزمان، وكذلك في كل زمان، يفتونهم بما يمليه العقل،لا بما قال الله وقال رسوله، أعْيَتْهم النصوص والسُّنن والآثار عن أن يتتبعوها ويحفظوها، فاكتفوا بما تمليه عقولهم.
منهجية العلماء الأجـلاء
الألباني، ابن باز، الندوي ـ رحمهم الله ـ
سوف نمر مروراً سريعاً على منهجية هؤلاء العلماء الثلاثة، ولا نستطيع أن نستقصي؛ لأن كل عالم منهم لا تكفيه محاضرة واسعة لكي يتكلم المرء عن منهجيته، ولذلك سوف نمر على القواسم المشتركة عند هؤلاء العلماء الثلاثة بسرعة، ونمر كذلك على المنهجية المقابلة التي أخذتْ تُطِلّ برأسها في هذا العصر، وبدأت تفتن كثيراً من الناس وفيها انحراف واضح ؛ وهي منهجية (العصرانيين)، ثم نشرح القصيدة بعد ذلك، ونكون قد سلطنا الضوء عليها أوعلى المعاني التي وردت فيها من خلال كلامنا على المنهجيتين.
من أبرز ما يظهر في منهجية هؤلاء العلماء الثلاثة: أنهم يمثلون كبار أئمة أهل السُّنَّة والجماعة في هذا العصر، وهم يلتزمون بالكتاب والسُّنَّة على فهم السلف الصالح؛ لأن المدّعين للالتزام بالكتاب والسُّنَّة كُثْر، ولكن أهل السُّنَّة والجماعة الحقيقيين يلتزمون بالكتاب والسُّنَّة على فهم خير القرون؛ وهم الصحابة والتابعون وتابعوهم، بما في ذلك اعتماد الإجماع الثابت واعتماد القياس الصحيح...هؤلاء العلماء الثلاثة في أمور العقيدة والفقه والتربية،وغير ذلك من مجالات الشريعة؛ يدورون مع الدليل الشرعي من الكتاب أوالسُّنَّة أوالإجماع أوالقياس...يحترمون المذاهب الأربعة ومذهب أهل الظاهر في الجملة؛ باعتبارها _ أي: هذه المذاهب ــ مذاهب أهل السُّنَّة والجماعة.
وهؤلاء الأئمة الثلاثة مجتهدون، يعتمدون في الغالب ــ من كل مذهب من هذه المذاهب ــ ما هوالراجح من حيث الدليل، لا يتعصبون لأي مذهب منها، ولا يقبلون من الفكر المستورد ــ قديماً أوحديثاً ــ إلا ما يقبله معيار الشرع، فالواردات على الأمة الإسلامية كثيرة في القديم والحديث، وهؤلاء لا يقبلون إلا ما يتفق مع معيار الشرع، باعتبار أن الإسلام غنيٌّ جملة وتفصيلاً، ولا يحتاج إلى استيراد، يقول سبحانه: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل89).
منهج السلف الصالح قارب النجاة:
(منهج أهل السُّنَّة والجماعة)
ويعتبرون أن النجاة هي في اتباع السلف واتباع خير القرون، وفي مقدمتهم الصحابة -رضى الله عنهم-؛ لأن الله يقول: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}(التوبة100)، فالذين رضي الله عنهم ورضوا عنه هم أولئك السابقون، ثم كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، ومن خرج عن الاتّباع بإحسان فليس من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه : {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:100) وهم الذين قال الله عنهم: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}(لأعراف:181)، وقال فيهم عليه الصلاة والسلام: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين}كما عند البخاري ومسلم ـ رحمهما الله ـ وغيرهما.
كذلك فإن الرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ في الحديث الذي ذكَر فيه افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة،ورواه أحمد والترمذي والحاكم وغيرهم،ذكَر الفرقة الناجية وقال: (هي الجماعة)،ثم بيّن منهجها فقال ــ كما في الحديث الذي رواه الترمذي، وحسنه الألباني ــ: (ما أنا عليه وأصحابي) ... فالفرقة الناجية هي الجماعة وهي التي تتمسك بما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحبه... تتمسك بسُّنَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم -وسُنَّة خلفائه الراشدين: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين) رواه أبوداود والترمذي وقال حسن صحيح، وذكر الألباني أنه صحيح، فالفرقة الناجية ما دامت هي الجماعة وهي تتمسك بسُنَّة الرسول وخلفائه، فهي فرقة أهل السُّنَّة والجماعة، ومن هنا جاءت التسمية، فقيل منهج أهل السُّنَّة والجماعة، وهم يشكلون معظم الأمة كما قال المقبلي، ونقل عنه ذلك الألباني في السلسلة الصحيحة وأقرّ ذلك، فأمة المليار والنصف وإن انقسمت إلى ثلاث وسبعين فرقة إلا أن الفرقة الناجية التي طليعتها الطائفة الظاهرة هي معظم الأمة وجُمْلتها، ولذلك قيل لها الجماعة، وهي معظم أهل الجنة، فعند الترمذي وهو حديث صحيح أنه يدخل الجنة مائة وعشرون صفاً منهم ثمانون صفاً (الثلثان) من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - . وتبقى اثنتان وسبعون فرقة هي الفِرَق الضالة من أمة المليار والنصف، ولا تكاد تزيد الفِرَق الضالة في عدد الأفراد على مائة مليون أومائة وخمسين مليوناً، في حين إن أتْباع المذاهب الأربعة ومن أخذ بمنهجهم هم مئات الملايين وهم الأمة! وغيرهم الشُّذوذ كفِرَق الروافض وفِرَق الخوارج وفِرَق العلمانيين وفِرَق الباطنيين.. إلخ. وأئمة المذاهب الأربعة عقيدتهم سلفية، فعقيدة أبي حنيفة سجّلها الإمام الطحاوي في الطحاوية، ومالك عنوان عقيدته السلفية «إثبات الصفات» وقد اشتهر عنه «الاستواء معلوم، والكيف مجهول... إلخ»، والشافعي اشتهر عنه: «حُكمي على أهل الكلام أن يُـضربوا بالجريد والنعال»، وأحمد سلفيته أوضح من أن تذكر... وعلماء الكلام في المذاهب الأربعة ليس لفلسفتهم رواج عام عند أتباع المذاهب الأربعة، فهم أقلية محصورةٌ بترفها الفكري في برجٍ عاجِيٍّ .وجُمْلة علماء المذاهب الأربعة الذين يدينون بعقيدة مؤسسي المذاهب، بالإضافة إلى العوامّ المقلّدين لهذه المذاهب هم معظم أمة الإسلام على مرّ القرون ...وهم الجماعة ...وهم أمة المليار والنصف اليوم ...وعقيدتهم فطرية بسيطة هي عقيدة الإسلام، البعيدة عن التعقيدات المستوردة لعلم الكلام، وهي مثل عقيدة الجارية التي سألها الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (أين الله؟) فقالت: في السماء، بحيث لوسألت أيّ عامّي في أيّ مكان بهذا السؤال لأجابك بنفس الجواب .... وبعض علماء الكلام انتهى بهم الأمر في أواخر حياتهم إلى أن يتمنـّـوا إيمان العجـائز والعوامّ .
والسُّنَّة هي الفيصل بين الجماعة وبين الفرق الضالة، فالباطنيون مثلاً والروافض والخوارج والعلمانيون لا يحترمون الأمهات الست ولا المسانيد ولا دواوين الحــديث،ولا يحـترمون الصحابة ولا آثارهم ولا فهْمهم.
.